حقيقة زواج محمد صل الله عليه وسلم من زينب بنت جحش
حقيقة زواج محمد صل الله عليه وسلم من زينب بنت جحش
اولا : الشبهة
محمد (صلى الله عليه وسلم )يشتهي زينب بنت جحش
(امرأة ابنه بالتبني زيد بن الحارثة) و يتزوجها
زعم بعض أعداء الإسلام أن الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم اشتهى زينب بنت جحش وطلقها من زوجها زيد بن حارثة وتزوجها هو.
دليل الشبهة
استدل هؤلاء بما جاء فى تفسير الطبري فى تأويل قول الله تبارك وتعالى :ـ
] وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [ ([أ])
وإليك النصوص التى استدلوا بها حرفيا
(أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته، وهي في حبال مولاه،
فأُلقى في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد
فراقها
(أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها
( وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها،
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زَّوج زيدَ بنَ حارثة زينبَ بنت جحش، ابنة عمته، فخرج
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من
شعر، فرفعت الريح الستر فإن كشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في
قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى
الآخر،([ب])
ثانيا : الرَّد على الشبهة
قبل
أن نجيب على تلك الشبهة أود أن أشير إلى أمر هام جدا هو أن علماء التفسير
رضى الله عنهم حينما وضعوا كتب التفسير كان عندهم من الأمانة العلمية ما
يجعلهم يوضحون كل الروايات التى تتعلق بتفسير الآية حتى يتعلم القارئ
المسألة من كل ما يتعلق بها من جوانب ، ثم بين التفسير الراجح أو الصحيح من
بين تلك الآراء التى سردها فى كتابه.
مثلا أصحاب العلوم الأخرى
حينما يسرد بعضا من النظريات فى كتابه فهو لا يوافق كل تلك النظريات وإنما
يسردها ليبين النظرية التى أخذ بها فليس معنى أنه ذكر نظريات خاطئة أنه أقر
بها فى كتابه.
وعلى ما تقدم فإن القول بمثل تلك الشبهة لا يخرج عن
كونه تعنتا فى اصطياد الأخطاء وليست بأخطاء فى الأصل فأعداء الإسلام حينما
يدللوا على شبهة ما يقتصرون على ما أورده المفسر فى كتابه من الروايات التى
تدعم ما يدعون به ولكنهم لا يذكرون ما رجحه هذا المفسر فى كتابه وهذا إن
دل على شئ فإنما يدل على عدم الأمانة العلمية فى نقلهم من المراجع.
ولأجل ذلك نقول
إن
هذه الروايات التى ذكرها هؤلاء المضللون إنما هى لا يعتد بها وليست من
صحيح السنة فى شئ يذكر وهذا ما قال به أهل العلم والتأويل فى شأن تلك
الرويات من أنها ذكرت على سبيل المثال وليس على سبيل اليقين وأنها روايات
ضعيفة أى بها خلل فلا يعتد بها
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله
( ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ([1]) هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنه أحببنا أن تضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها) ([2])
وجه الدلالة
يقصد
الإمام ابن كثير عليه رحمة الله أن تلك الروايات التى ذكرها الإمام ابن
جرير الطبري لا يعتد بها لعدم صحتها ولأجل ذلك فهو لم يذكر تلك الروايات.
أما عن القول المزعوم بأنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما رأى زينب افتتن بها فهو غير صحيح أيضا
فيقول الإمام ابن كثير فى ذلك
وقد
روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثًا، من رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن
أنس فيه غرابة تركنا سياقه أيضا والغرابة من قوله: "فرأى رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأته زينب وكأنه دخله" فقد شك مؤمل في الرواية،
وهو سيئ الحفظ. ([3])
وجه الدلالة:
أى أن
الرواية التى ذكر فيها أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم افتتن بزينب
رواية ضعيفة السند ولا يعتد بها لأن فيها أحد الرواة ممن عرف بسوء حفظه
للحديث وأمثال هؤلاء لا يعتد بروايتهم خاصة أنها لم ترد من طرق أخرى
يقول الإمام ابن حجر العسقلاني
ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها ([4])
وجه الدلالة
أن رواية ابن جرير الطبرى التى ذكرها أيضا لا يعتد بها لأن ها ضعيفة ولاحظ
معى أن الذى حكم على تلك الرواية بالضعف هو الإمام ابن حجر العسقلانى الذى
أثرى المكتبة الإسلامية بذخائر نفيسة من أبرزها كتاب فتح البارى بشرح صحيح
البخارى أصح كتاب ورد فى سنة سيدنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم
يقول صاحب التهذيب
هذه رواية مرسلة ،
فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي ، يروي عن الصحابة ، و يروي أيضا عن التابعين ،
كعمر بن سليم و الأعرج ، و غيرهما ، (ت 121 هـ ) و عمره ( 74 سنة ) ، فهو
لم يدرك القصة قطعاً ولم يذكر من حدثه بها ([5])
عبد الله بن عامر الأسلمي ، ضعيف بالاتفاق ، بل قال فيه البخاري : ذاهب الحديث ، و قال أبو حاتم : متروك ([6])
أما عن الرواية الثانية
أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق المحدثين ، بل صرح بعضهم بأنه
متروك الحديث ، قال البخاري وأبو حاتم : ضعفه علي بن المديني جداً ، وقال
أبو حاتم : كان في الحديث واهياً ، و جاء عن الشافعي أنه قال : قيل لعبد
الرحمن بن زيد بن أسلم : حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت وصْلّت خلف المقام ركعتين ؟ قال : نعم . و
لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً منقطعاً قال له : اذهب إلى عبد الرحمن بن
زيد يحدثك عن أبيه عن نوح . و أقوال الأئمة في تضعيفه كثيرة ، و هو رجل
صالح في نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف جداً ([7])
وقد آثرت أن أبين أقوال العلماء حرفيا فى الروايات التى استدل بها أعداء
الإسلام حتى يعلم القارئ أنها روايات باطلة لا يعتد بها ولا يصح الأخذ بها
أو تصديقها وإن كان بها بعض المصطلحات التى تحتاج لفهم لكنهم قصدوا أن
يبينوا أن الروايات بها ضعف فلا يعتد بها
إضافة إلى ما تقدم فإن هناك الكثير من أهل العلم ضعفوا تلك الروايات وجزموا بأنها لا يعتد بها مثل
الزهري . وبكر بن العلاء . والقشيري . والقاضي أبي بكر بن العرب والقاضى
عياض ([8]) .. الخ.
إذا فكيف تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
للرجوع إلى أحداث تلك القصة مفصلة يمكن الرجوع إلى تفسير القرطبي وابن كثير وكتاب
فتح البارى وتفسير الآلوسي وأى كتاب تفسير بشرط أن يكون محققا.
وتكمن أحداث القصة فيما يلى:
يجب أن نعلم جيدا أن زينب بنت جحش هى ابنة عمة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم بمعنى أنها كانت أمامه فلو كان له رغبة فى الزواج منها لتزوجها.
النبى يخطب زينب لزيد
إضافة إلى ذلك فإنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الذى خطب زينب لزيد وزوجها
له رغم أن زينب اعترضت على هذا الزواج فى البداية إلى أن نزل الأمر
القرآني:
قال تعالى:ـ
]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا[ ([9])
وجه الدلالة
أمر
الله تعالى المؤمنين كافة باتباع أوامر الله ورسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم وما دام النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الذى أراد ذلك
فلا بد من اتباع أمره.([10])
ومن هو زيد ؟ :
هو ابن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من التبنى أهدته له السيدة
خديجة رضى الله عنها فاعتقه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وتبناه وأطلق
عليه زيد بن محمد وفقا لما تعود عليه العرب وقتها
إذا فلو كان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طامعاً فى الزواج من زينب فما الذى يحمله على ذلك وأن يزوجها بابنه من التبنى وقتئذ.
يتزوج
زيد بزينب وَتَمُرُ فترة ليست بالطويلة من الزمن إلا أن زينب تشعر فى
قرارة نفسها أنها أعلى منه نسباً وحسبا لكن كل ما يتم بتدبير العلى القدير.
زيد يطلق زينب
يذهب زيد إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مخبرا انه يريد فراق
زوجته فيقول له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امسك عليك زوجك واتقى الله
وهنا تجدر الإشارة إلى تحقق كذب الروايات التى استدل بها المضللون على شبهتهم
فلو كان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طامعا فى الزواج من زينب على افتراض
صحة تلك الرواية لشجع زيداً وقتها على ما يريد من فراق لزوجته ([11])
قال تعالى:
"فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً"
وجه الدلالة
يستفاد من تلك الآية الكريمة أن زيداً هو الذى رغب فى تطليق زينب وليس كما زعموا
أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طلقها منه ليتزوجها
وما الذى أخفاه الرسول صلى الله عليه وسلم فى نفسه
أجمع المنصفون من أهل التفسير والحديث على أن الله تبارك وتعالى أخبر نبيه
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن زيداً سيطلق زينب وأن الرسول صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سيتزوجها فخشى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم من أن يقول الناس إن محمداً تزوج من زوجة ابنه ([12]) ذلك لأن
عادة العرب إذا تبنى شخص آخر أن يكون أبا له فلا يتزوج بزوجته وهذا ما
خشيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة وأن الأمر بتحريم
التبنى لم ينزل بعد
وما الذى أبداه الله
الذى أبداه الله _قدره_ أن زيداً سيطلق زينب ثم يتزوجها رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم فما قدره الله فى محله فهو واقع لا محالة
لماذا يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب ؟:
كان هذا الزواج لعدة أغراض
الغرض الأول:المساواة بين العبيد وغيرهم :
كان زيد فى الأصل عبداً مملوكا أعتقه النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
وتبناه وأتى الإسلام ليساوى بين العبيد والأحرار وكان لا بد من تطبيق عملى
لهذا المبدأ فزوج النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيداً الذى كان
عبداً لزينب التى هى من أشرف شرفاء مكة
ليس هذا هو الميدان الوحيد
الذى طبق فيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المساواة بين العبيد
والأحرار فقد أمَّر النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيداً على سرية
كان فيها أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب
الغرض الثانى: إبطال عادة التبنى
ذلك أن الله تبارك وتعالى حرَّم التبنى وكانت عادة العرب أن الرجل لا يتزوج
زوج ابنه من التبنى فكان المسلمون بحاجة وقتها إلى تطبيق عملى ليتخلوا عن
تلك العادة من جذورها تماما والرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان
متبنيا لزيد فتحتم أن يتزوج زينب التى هى زوجة ابنه من التبنى ليعلم الناس
أن التبنى لا أصل له من الدين ولا يترتب عليه أى آثار شرعية بالمرة.
الدليل على ذلك :
قال تعالى:ـ
]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا[ ([13])
وجه الدلالة:
لما قضى زيد زواجه من زينب زوجناكها أى أن الذى زوج السيدة زينب بنت جحش لرسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو رب العزة سبحانه وتعالى ولم يكن
النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم له حاجة أو اختيار فى هذا الزواج
وإنما أراده الله ليتخلى الناس عن معتقدات التبنى البالية.([14])
لماذا أُلغى التبنى
لم يلغِ الإسلام نظام التبنى كاملا كما ظن البعض وإنما الذى ألغى فى التبنى
جزء منه وهو أن ينسب الرجل إلى نفسه ولدا أو بنتا ليس من صلبه هذا فقط هو
الذى ألغى من نظام التبنى ذلك لأن القول بنسب إنسان إلى غير أبيه يترتب
عليه الكثير من المخالفات الشرعية نوجز بعضا منها على نحو ما يلى:ـ
1ـ أن المتبنى هذا لا يجوز له أن يتزوج من نسل الشخص الذى تبناه مع أنه لا يوجد مانع شرعى يحول بينه وبين ذلك.
2ـ جلوس المتبنى مع أسرة الشخص يستتبع تكشف للعورات وهو لا يجوز من الناحية الشرعية لأنه ليس له من الصلاحيات من يبيح له ذلك
3ـ المنسوب إلى هذا المتبنى يرثه بعد وفاته وبذلك يكون قد أخذ ما ليس له فيه حق شرعا لأن التبنى ليس من أسباب الإرث
4ـ الأب الذى تبنى هذا الطفل مثلا لا يجوز له أن يتزوج بإحدى محارمه مع أنه فى الأصل يجوز له ذلك
وعليه فإن نسب شخص إلى آخر لا يخرج إلا عن تحريم لما
أحله الله أو إباحة ما حرمه الله وهكذا
لأجل ذلك ألغى الإسلام تلك الخصلة من خصال التبنى وأبقى على غيرها من رعاية ذوى
الحاجات والقيام على شئونهم مع الوضع فى الاعتبار تلافى السلبيات التى كان
عليها نظام التبنى قبل الإسلام
هل كان بالضرورة أن يتم الزواج؟:
فى مواطن كثيرة لا بد للقائد أن يبدأ بنفسه أولا ولم تكن هذه أول مرة يقوم
فيها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن يبدأ بنفسه بالتطبيق
العملى لأحكام شرع الله وكلنا نذكر صلح الحديبية حينما ذهب النبى صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فى جمع من أصحابه لمكة لأداء العمرة فإذا بهم منعوا
من قبل مشركى مكة من الدخول وكادت الحرب أن تقوم إلا أن النبى صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم عقد صلحا مع مشركى مكة كان من بين بنوده أن يرجع
المسلمون فى هذا العام إلى المدينة المنورة دون دخول لمكة وبالفعل لم يدخل
المسلمون ولكن كان من الواجب عليهم فى ذلك الوقت أن ينحروا هديهم ويتحللوا
من إحرامهم إلا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما أمر الصحابة
بالتحلل والنحر شق عليهم ذلك ولم يفعلوا حتى أشارت السيدة أم سلمة زوجة
النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ورفيقته فى رحلته هذه أن اخرج عليهم
يا رسول الله وتحلل أنت وانحر فلما فعل النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم تسابق المسلمون للتحلل من إحرامهم
وهذا نفسه ما حدث فى زواجه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من زينب فإن لم يكن قد تزوجها
لما أقلع الناس عن الابتعاد عن تلك الصورة الباطلة من صور التبنى ولاستمر
الحال على ما كان عليه فكان لزاما أن يكون هناك تطبيق عملى لهذا الحكم
الشرعى.
حقيقة زواج محمد صل الله عليه وسلم من زينب بنت جحش
اولا : الشبهة
محمد (صلى الله عليه وسلم )يشتهي زينب بنت جحش
(امرأة ابنه بالتبني زيد بن الحارثة) و يتزوجها
زعم بعض أعداء الإسلام أن الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم اشتهى زينب بنت جحش وطلقها من زوجها زيد بن حارثة وتزوجها هو.
دليل الشبهة
استدل هؤلاء بما جاء فى تفسير الطبري فى تأويل قول الله تبارك وتعالى :ـ
] وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [ ([أ])
وإليك النصوص التى استدلوا بها حرفيا
(أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته، وهي في حبال مولاه،
فأُلقى في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد
فراقها
(أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها
( وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها،
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زَّوج زيدَ بنَ حارثة زينبَ بنت جحش، ابنة عمته، فخرج
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من
شعر، فرفعت الريح الستر فإن كشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في
قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى
الآخر،([ب])
ثانيا : الرَّد على الشبهة
قبل
أن نجيب على تلك الشبهة أود أن أشير إلى أمر هام جدا هو أن علماء التفسير
رضى الله عنهم حينما وضعوا كتب التفسير كان عندهم من الأمانة العلمية ما
يجعلهم يوضحون كل الروايات التى تتعلق بتفسير الآية حتى يتعلم القارئ
المسألة من كل ما يتعلق بها من جوانب ، ثم بين التفسير الراجح أو الصحيح من
بين تلك الآراء التى سردها فى كتابه.
مثلا أصحاب العلوم الأخرى
حينما يسرد بعضا من النظريات فى كتابه فهو لا يوافق كل تلك النظريات وإنما
يسردها ليبين النظرية التى أخذ بها فليس معنى أنه ذكر نظريات خاطئة أنه أقر
بها فى كتابه.
وعلى ما تقدم فإن القول بمثل تلك الشبهة لا يخرج عن
كونه تعنتا فى اصطياد الأخطاء وليست بأخطاء فى الأصل فأعداء الإسلام حينما
يدللوا على شبهة ما يقتصرون على ما أورده المفسر فى كتابه من الروايات التى
تدعم ما يدعون به ولكنهم لا يذكرون ما رجحه هذا المفسر فى كتابه وهذا إن
دل على شئ فإنما يدل على عدم الأمانة العلمية فى نقلهم من المراجع.
ولأجل ذلك نقول
إن
هذه الروايات التى ذكرها هؤلاء المضللون إنما هى لا يعتد بها وليست من
صحيح السنة فى شئ يذكر وهذا ما قال به أهل العلم والتأويل فى شأن تلك
الرويات من أنها ذكرت على سبيل المثال وليس على سبيل اليقين وأنها روايات
ضعيفة أى بها خلل فلا يعتد بها
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله
( ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ([1]) هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنه أحببنا أن تضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها) ([2])
وجه الدلالة
يقصد
الإمام ابن كثير عليه رحمة الله أن تلك الروايات التى ذكرها الإمام ابن
جرير الطبري لا يعتد بها لعدم صحتها ولأجل ذلك فهو لم يذكر تلك الروايات.
أما عن القول المزعوم بأنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما رأى زينب افتتن بها فهو غير صحيح أيضا
فيقول الإمام ابن كثير فى ذلك
وقد
روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثًا، من رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن
أنس فيه غرابة تركنا سياقه أيضا والغرابة من قوله: "فرأى رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأته زينب وكأنه دخله" فقد شك مؤمل في الرواية،
وهو سيئ الحفظ. ([3])
وجه الدلالة:
أى أن
الرواية التى ذكر فيها أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم افتتن بزينب
رواية ضعيفة السند ولا يعتد بها لأن فيها أحد الرواة ممن عرف بسوء حفظه
للحديث وأمثال هؤلاء لا يعتد بروايتهم خاصة أنها لم ترد من طرق أخرى
يقول الإمام ابن حجر العسقلاني
ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها ([4])
وجه الدلالة
أن رواية ابن جرير الطبرى التى ذكرها أيضا لا يعتد بها لأن ها ضعيفة ولاحظ
معى أن الذى حكم على تلك الرواية بالضعف هو الإمام ابن حجر العسقلانى الذى
أثرى المكتبة الإسلامية بذخائر نفيسة من أبرزها كتاب فتح البارى بشرح صحيح
البخارى أصح كتاب ورد فى سنة سيدنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم
يقول صاحب التهذيب
هذه رواية مرسلة ،
فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي ، يروي عن الصحابة ، و يروي أيضا عن التابعين ،
كعمر بن سليم و الأعرج ، و غيرهما ، (ت 121 هـ ) و عمره ( 74 سنة ) ، فهو
لم يدرك القصة قطعاً ولم يذكر من حدثه بها ([5])
عبد الله بن عامر الأسلمي ، ضعيف بالاتفاق ، بل قال فيه البخاري : ذاهب الحديث ، و قال أبو حاتم : متروك ([6])
أما عن الرواية الثانية
أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق المحدثين ، بل صرح بعضهم بأنه
متروك الحديث ، قال البخاري وأبو حاتم : ضعفه علي بن المديني جداً ، وقال
أبو حاتم : كان في الحديث واهياً ، و جاء عن الشافعي أنه قال : قيل لعبد
الرحمن بن زيد بن أسلم : حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت وصْلّت خلف المقام ركعتين ؟ قال : نعم . و
لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً منقطعاً قال له : اذهب إلى عبد الرحمن بن
زيد يحدثك عن أبيه عن نوح . و أقوال الأئمة في تضعيفه كثيرة ، و هو رجل
صالح في نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف جداً ([7])
وقد آثرت أن أبين أقوال العلماء حرفيا فى الروايات التى استدل بها أعداء
الإسلام حتى يعلم القارئ أنها روايات باطلة لا يعتد بها ولا يصح الأخذ بها
أو تصديقها وإن كان بها بعض المصطلحات التى تحتاج لفهم لكنهم قصدوا أن
يبينوا أن الروايات بها ضعف فلا يعتد بها
إضافة إلى ما تقدم فإن هناك الكثير من أهل العلم ضعفوا تلك الروايات وجزموا بأنها لا يعتد بها مثل
الزهري . وبكر بن العلاء . والقشيري . والقاضي أبي بكر بن العرب والقاضى
عياض ([8]) .. الخ.
إذا فكيف تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
للرجوع إلى أحداث تلك القصة مفصلة يمكن الرجوع إلى تفسير القرطبي وابن كثير وكتاب
فتح البارى وتفسير الآلوسي وأى كتاب تفسير بشرط أن يكون محققا.
وتكمن أحداث القصة فيما يلى:
يجب أن نعلم جيدا أن زينب بنت جحش هى ابنة عمة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم بمعنى أنها كانت أمامه فلو كان له رغبة فى الزواج منها لتزوجها.
النبى يخطب زينب لزيد
إضافة إلى ذلك فإنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الذى خطب زينب لزيد وزوجها
له رغم أن زينب اعترضت على هذا الزواج فى البداية إلى أن نزل الأمر
القرآني:
قال تعالى:ـ
]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا[ ([9])
وجه الدلالة
أمر
الله تعالى المؤمنين كافة باتباع أوامر الله ورسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم وما دام النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الذى أراد ذلك
فلا بد من اتباع أمره.([10])
ومن هو زيد ؟ :
هو ابن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من التبنى أهدته له السيدة
خديجة رضى الله عنها فاعتقه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وتبناه وأطلق
عليه زيد بن محمد وفقا لما تعود عليه العرب وقتها
إذا فلو كان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طامعاً فى الزواج من زينب فما الذى يحمله على ذلك وأن يزوجها بابنه من التبنى وقتئذ.
يتزوج
زيد بزينب وَتَمُرُ فترة ليست بالطويلة من الزمن إلا أن زينب تشعر فى
قرارة نفسها أنها أعلى منه نسباً وحسبا لكن كل ما يتم بتدبير العلى القدير.
زيد يطلق زينب
يذهب زيد إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مخبرا انه يريد فراق
زوجته فيقول له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امسك عليك زوجك واتقى الله
وهنا تجدر الإشارة إلى تحقق كذب الروايات التى استدل بها المضللون على شبهتهم
فلو كان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طامعا فى الزواج من زينب على افتراض
صحة تلك الرواية لشجع زيداً وقتها على ما يريد من فراق لزوجته ([11])
قال تعالى:
"فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً"
وجه الدلالة
يستفاد من تلك الآية الكريمة أن زيداً هو الذى رغب فى تطليق زينب وليس كما زعموا
أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طلقها منه ليتزوجها
وما الذى أخفاه الرسول صلى الله عليه وسلم فى نفسه
أجمع المنصفون من أهل التفسير والحديث على أن الله تبارك وتعالى أخبر نبيه
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن زيداً سيطلق زينب وأن الرسول صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سيتزوجها فخشى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم من أن يقول الناس إن محمداً تزوج من زوجة ابنه ([12]) ذلك لأن
عادة العرب إذا تبنى شخص آخر أن يكون أبا له فلا يتزوج بزوجته وهذا ما
خشيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة وأن الأمر بتحريم
التبنى لم ينزل بعد
وما الذى أبداه الله
الذى أبداه الله _قدره_ أن زيداً سيطلق زينب ثم يتزوجها رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم فما قدره الله فى محله فهو واقع لا محالة
لماذا يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب ؟:
كان هذا الزواج لعدة أغراض
الغرض الأول:المساواة بين العبيد وغيرهم :
كان زيد فى الأصل عبداً مملوكا أعتقه النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
وتبناه وأتى الإسلام ليساوى بين العبيد والأحرار وكان لا بد من تطبيق عملى
لهذا المبدأ فزوج النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيداً الذى كان
عبداً لزينب التى هى من أشرف شرفاء مكة
ليس هذا هو الميدان الوحيد
الذى طبق فيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المساواة بين العبيد
والأحرار فقد أمَّر النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيداً على سرية
كان فيها أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب
الغرض الثانى: إبطال عادة التبنى
ذلك أن الله تبارك وتعالى حرَّم التبنى وكانت عادة العرب أن الرجل لا يتزوج
زوج ابنه من التبنى فكان المسلمون بحاجة وقتها إلى تطبيق عملى ليتخلوا عن
تلك العادة من جذورها تماما والرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان
متبنيا لزيد فتحتم أن يتزوج زينب التى هى زوجة ابنه من التبنى ليعلم الناس
أن التبنى لا أصل له من الدين ولا يترتب عليه أى آثار شرعية بالمرة.
الدليل على ذلك :
قال تعالى:ـ
]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا[ ([13])
وجه الدلالة:
لما قضى زيد زواجه من زينب زوجناكها أى أن الذى زوج السيدة زينب بنت جحش لرسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو رب العزة سبحانه وتعالى ولم يكن
النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم له حاجة أو اختيار فى هذا الزواج
وإنما أراده الله ليتخلى الناس عن معتقدات التبنى البالية.([14])
لماذا أُلغى التبنى
لم يلغِ الإسلام نظام التبنى كاملا كما ظن البعض وإنما الذى ألغى فى التبنى
جزء منه وهو أن ينسب الرجل إلى نفسه ولدا أو بنتا ليس من صلبه هذا فقط هو
الذى ألغى من نظام التبنى ذلك لأن القول بنسب إنسان إلى غير أبيه يترتب
عليه الكثير من المخالفات الشرعية نوجز بعضا منها على نحو ما يلى:ـ
1ـ أن المتبنى هذا لا يجوز له أن يتزوج من نسل الشخص الذى تبناه مع أنه لا يوجد مانع شرعى يحول بينه وبين ذلك.
2ـ جلوس المتبنى مع أسرة الشخص يستتبع تكشف للعورات وهو لا يجوز من الناحية الشرعية لأنه ليس له من الصلاحيات من يبيح له ذلك
3ـ المنسوب إلى هذا المتبنى يرثه بعد وفاته وبذلك يكون قد أخذ ما ليس له فيه حق شرعا لأن التبنى ليس من أسباب الإرث
4ـ الأب الذى تبنى هذا الطفل مثلا لا يجوز له أن يتزوج بإحدى محارمه مع أنه فى الأصل يجوز له ذلك
وعليه فإن نسب شخص إلى آخر لا يخرج إلا عن تحريم لما
أحله الله أو إباحة ما حرمه الله وهكذا
لأجل ذلك ألغى الإسلام تلك الخصلة من خصال التبنى وأبقى على غيرها من رعاية ذوى
الحاجات والقيام على شئونهم مع الوضع فى الاعتبار تلافى السلبيات التى كان
عليها نظام التبنى قبل الإسلام
هل كان بالضرورة أن يتم الزواج؟:
فى مواطن كثيرة لا بد للقائد أن يبدأ بنفسه أولا ولم تكن هذه أول مرة يقوم
فيها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن يبدأ بنفسه بالتطبيق
العملى لأحكام شرع الله وكلنا نذكر صلح الحديبية حينما ذهب النبى صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فى جمع من أصحابه لمكة لأداء العمرة فإذا بهم منعوا
من قبل مشركى مكة من الدخول وكادت الحرب أن تقوم إلا أن النبى صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم عقد صلحا مع مشركى مكة كان من بين بنوده أن يرجع
المسلمون فى هذا العام إلى المدينة المنورة دون دخول لمكة وبالفعل لم يدخل
المسلمون ولكن كان من الواجب عليهم فى ذلك الوقت أن ينحروا هديهم ويتحللوا
من إحرامهم إلا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما أمر الصحابة
بالتحلل والنحر شق عليهم ذلك ولم يفعلوا حتى أشارت السيدة أم سلمة زوجة
النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ورفيقته فى رحلته هذه أن اخرج عليهم
يا رسول الله وتحلل أنت وانحر فلما فعل النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم تسابق المسلمون للتحلل من إحرامهم
وهذا نفسه ما حدث فى زواجه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من زينب فإن لم يكن قد تزوجها
لما أقلع الناس عن الابتعاد عن تلك الصورة الباطلة من صور التبنى ولاستمر
الحال على ما كان عليه فكان لزاما أن يكون هناك تطبيق عملى لهذا الحكم
الشرعى.