هل يكون لله ولي من النصارى واليهود؟ واسئلة اخرى جوابها هنا
هل يكون لله ولي من النصارى واليهود؟
الحمدلله نستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله. أرسله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. أرسله بين يدي الساعة بشيرا
ونذيرا،وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة، وبصر به
من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا،
وفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، والمؤمنين
والكفار، والسعداء أهل الجنة، والأشقياء أهل النار، وبين أولياء الله
وأعداء الله. فمن شهد له محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أولياء الله فهو
من أولياء الرحمن، ومن شهد له بأنه من أعداء الله فهو من أعداء الله
وأولياء الشياطين.
لله أولياء وللشيطان أولياء
وقد بين سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله أن لله أولياء من الناس،
وللشيطان أولياء، ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. فقال تعالى:"
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم " وقال تعالى: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ". وقال تعالى: "
هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ".
وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " وقال تعالى: " الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا
". وقال تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ". وقال تعالى: " ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ". وقال تعالى: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين " وقال تعالى
: " إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون * وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا " إلى قوله " إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " وقال تعالى :" وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم " ، وقال الخليل عليه السلام : " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا " ، وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " الآيات إلى قوله " إنك أنت العزيز الحكيم "
فصل في صفات أولياء الله
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان،
فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما
فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى:
" ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا
يتقون ".
الإيمان والتقوى
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
الحب في الله والبغض في الله
وفي حديث آخر: " و
إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب " أي: آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما
يأخذ الليث الحرب ثأره، وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه،
فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا
بما يأمر، ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع،
كما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أوثق عرى
الإيمان: الحب في الله والبغض في الله " وفي حديث آخر رواه أبو داود وقال: "
من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ".
موالاة الطاعات
والولاية: ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة:
البغض والبعد. وقد
قيل أن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات، أي متابعته لها، والأول أصح.
والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا، أي يقرب منه. ومنه قوله صلى الله عليه
وسلم: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر " أي لأقرب
رجل إلى الميت. ووكده بلفظ الذكر ليبين أنه حكم يختص بالذكور، ولا يشترك
فيه الذكور والإناث، كما قال في الزكاة: " فابن لبون ذكر ".
فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع
له فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي
لوليه معاديا له، كما قال تعالى: " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة " فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه،
فلهذا قال: " ومن عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ".
أفضل أولياء الله
وأفضل أولياء الله
هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم:
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: " شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى
وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " وقال تعالى: " وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم
ميثاقا غليظا * ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما ".
أفضل أولي العزم
وأفضل أولي العزم:
محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وسيد ولد آدم، وإمام
الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه
به الأولون والآخرون، وصاحب لواء الحمد، وصاحب الحوض المورود، وشفيع
الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة والفضيلة، الذي بعثه الله بأفضل كتبه،
وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، وجمع له ولأمته
من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم، وهم آخر الأمم خلقا، وأول الأمم
بعثا، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " نحن الآخرون
السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم،
فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه - يعني يوم الجمعة - فهدانا الله له: الناس
لنا تبع فيه، غدا لليهود، وبعد للنصارى ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا أول من
تنشق عنه الأرض ". وقال صلىالله عليه وسلم: " آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول
الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد. فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ".
وفضائله صلى الله عليه وسلم وفضائل أمته
كثيرة، ومن حين بعثه الله جعله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه: فلا يكون
وليا لله إلا من آمن به وبما جاء به، واتبعه باطنا وظاهرا، ومن ادعى محبة
الله وولايته وهو لم يتبعه، فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء
الله وأولياء الشيطان. قال تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله " قال الحسن البصري رحمه الله : ادعى قوم أنهم يحبون الله،
فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها، أن من اتبع الرسول فإن
الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس
من أولياء الله: وأن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم، أو في غيرهم، أنهم
من أولياء الله، ولا يكونون من أولياء الله، فاليهود والنصارى يدعون أنهم
أولياء لله(وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان منهم، بل يدعون أنهم أبناؤه )
وأحباؤه. قال تعالى: " قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق " الآية،
وقال تعالى: " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم
"، إلى قوله: " ولا هم يحزنون "
ادعاء مشركي العرب أنهم أهل الله
وكان مشركو العرب
يدعون أنهم أهل الله، لسكناهم مكة، ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون به
على غيرهم، كما قال تعالى: " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم
تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون " وقال تعالى: " وإذ يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك " إلى قوله: " وهم يصدون عن المسجد الحرام وما
كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " فبين سبحانه أن المشركين ليسوا
أولياءه ولا أولياء بيته، إنما أولياؤه المتقون.
حديث: وليي الله وصالح المؤمنين
وثبت في الصحيحين
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول جهارا من غير سر: " إن آل فلان ليسوا لي بأولياء - يعني طائفة من
أقاربه - إنما وليي الله وصالح المؤمنين " وهذا موافق لقوله تعالى: " فإن
الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " الآية. وصالح المؤمنين: هو من كان
صالحا من المؤمنين. وهم المؤمنون المتقون أولياء الله. ودخل في ذلك أبو
بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت
الشجرة،وكانوا ألفا وأربعمائة، وكلهم في الجنة، كما ثبت في الصحيح عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت
الشجرة " ومثل هذا الحديث الآخر: إن أوليائي المتقون أيا كانوا وحيث كانوا.
لا طريق غير طريق الإسلام
كما أن من الكفار
من يدعي أنه ولي الله، وليس وليا لله، بل عدو له. فكذلك من المنافقين الذين
يظهرون الاسلام، يقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله، وأنه مرسل إلى جميع الأنس، بل إلى الثقلين: الأنس والجن،
ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك، مثل أن لا يقروا في الباطن بأنه رسول
الله، وإنما كان ملكا مطاعا، ساس الناس برأيه، من جنس غيره من الملوك، أو
يقولون: إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب، كما يقوله كثير من
اليهود والنصارى، أو أنه مرسل إلى عامة الخلق، وأن لله أولياء خاصة، لم
يرسل إليهم، ولا يحتاجون إليه، بل لهم طريق إلى الله من غير جهته، كما كان
الخضر مع موسى، أو أنهم يأخذون عن الله كل مايحتاجون إليه وينتفعون به من
غير واسطة، أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها. وأما
الحقائق الباطنة فلم يرسل بها، أولم يكن يعرفها، أو هم أعرف بها منه، أو
يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته.
حال أهل الصفة
وقد يقول بعض
هؤلاء: إن أهل الصفة كانوا مستغنين عنه، ولم يرسل إليهم، ومنهم من يقول: إن
الله أوحى إلى أهل الصفة في الباطن ما أوحى إليه ليلة المعراج، فصار أهل
الصفة بمنزلته، وهؤلاء من فرط جهلهم، لا يعلمون أن الإسراء كان بمكة، كما
قال تعالى: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله " وأن الصفة لم تكن إلا بالمدينة، وكانت صفة في
شمالي مسجده صلى الله عليه وسلم ينزل بها الغرباء الذين ليس لهم أهل وأصحاب
ينزلون عندهم، فإن المؤمنين كانوا يهاجرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة، فمن أمكنه أن ينزل في مكان نزل به، ومن تعذر ذلك عليه نزل في
المسجد، إلى أن يتيسر له مكان ينتقل إليه.
ولم يكن أهل الصفة ناسا بأعيانهم
يلازمون الصفة، بل كانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى، ويقيم الرجل بها زمانا،
ثم ينتقل منها، والذين ينزلون بها من جنس سائر المسلمين، ليس لهم مزية في
علم ولا دين، بل فيهم من ارتد عن الاسلام وقتله النبي صلى الله عليه وسلم،
كالعرنيين الذين اجتووا المدينة، أي: استوخموها، فأمرهم النبي صلى الله
عليه وسلم بلقاح - أي إبل لها لبن - وأمرهم أن يشربوا من أبوالها
وألبانها، فلما صحوا، قتلوا الراعي، واستاقوا الذود، فأرسل النبي صلى الله
عليه وسلم في طلبهم، فأتى بهم، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم،
وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون.
وحديثهم في الصحيحين من حديث أنس ،
وفيه أنهم نزلوا الصفة، فكان ينزلها مثل هؤلاء، ونزلها من خيار المسلمين
سعد بن أبي وقاص، وهو أفضل من نزل بالصفة، ثم انتقل عنها، ونزلها أبو هريرة
وغيره، وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي تاريخ من نزل الصفة.
وأما الأنصار فلم يكونوا من أهل الصفة،
وكذلك أكابر المهاجرين- كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير،
وعبد الرحمن ابن عوف، وأبي عبيدة (بن الجراح) وغيرهم - لم يكونوا من أهل
الصفة.
كذب كل حديث يروى عن النبي في عدة الأولياء
وقد روي أنه كان بها غلام للمغيرة بن
شعبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا واحد من السبعة وهذا الحديث
كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحلية وكذا كل حديث
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة الأولياء، والأبدال، والنقباء،
والنجباء، والأوتاد، والأقطاب، مثل أربعة، أو سبعة، أو اثني عشر، أو
أربعين، أو سبعين، أو ثلاثمائة، أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد،
فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينطق السلف بشيء من
هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال.
وروي فيهم حديث أنهم أربعون رجلا، وأنهم
بالشام، وهو في المسند من حديث علي كرم الله وجهه، وهو حديث منقطع ليس
بثابت، ومعلوم أن عليا ومن معه من الصحابة، كانوا أفضل من معاوية ومن معه
بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي.
وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من
المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " وهؤلاء المارقون هم الخوارج
الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي،فقتلهم
علي ابن أبي طالب وأصحابه، فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي ابن أبي طالب
أولى بالحق من معاوية وأصحابه، وكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون
أعلاهما.
وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنشد منشد:
قد لسعت حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيتي وترياقي
وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد
حتى سقطت البردة عن منكبه، فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وأكذب منه
مايرويه بعضهم أنه مزق ثوبه، وأن جبريل أخذ قطعة منه، فعلقها على العرش،
فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه من أظهر الأحاديث كذبا عليه.
وكذلك ما يروونه عن عمر رضي الله عنه
أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان، وكنت بينهما
كالزنجي، وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
هل يكون لله ولي من النصارى واليهود
والمقصود هنا، أن فيمن يقر برسالته
العامة في الظاهر ومن يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك، فيكون منافقا، وهو
يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به رسول
الله صلى الله عليه وسلم، إما عنادا، أو جهلا، كما أن كثيرا من النصارى
واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله. وأن محمدا رسول الله. لكن يقولون: إنما
أرسل إلى غير أهل الكتاب، وإنه لا يجب علينا اتباعه، لأنه أرسل إلينا رسلا
قبله، فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله،
وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: " ألا إن أولياء
الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون ".
ما لابد منه في الإيمان
ولابد في الايمان
من أن يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.ويؤمن بكل رسول
أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله، كما قال تعالى: " قولوا آمنا بالله وما
أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي
موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون
* فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق
فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ".
الأركان الخمسة
وقال تعالى:" آمن
الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير *
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا
إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من
قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت
مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ".
محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين
وقال في أول
السورة: " الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم
المفلحون " فلا بد في الايمان من أن تؤمن أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم
النبيين، لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين: الجن والانس.
الإيمان بجملة ما جاء
فكل من لم يؤمن بما
جاء به فليس بمؤمن، فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتقين. ومن آمن ببعض
ماجاء به وكفر ببعض، فهو كافر ليس بمؤمن، كما قال الله تعالى: " إن الذين
يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض
ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا
وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين
أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ".
الإيمان بوساطته في التبليغ
ومن الايمان به:
الايمان بأنه هو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده
ووعيده، وحلاله وحرامه، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله
ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فمن اعتقد أن
لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم
فهو كافر من أولياء الشيطان.
وأما خلق الله تعالى للخلق، ورزقه
إياهم، وإجابتهم لدعائهم، وهدايته لقلوبهم، ونصرهم على أعدائهم، وغير ذلك
من جلب المنافع ودفع المضار، فهذا لله وحده، يفعله بما يشاء من الأسباب، لا
يدخل في مثل هذا وساطة الرسل.
أولياء من جنس الكهان والسحرة
ثم لو بلغ الرجل في
الزهد والعبادة والعلم ما بلغ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد صلى الله
عليه وسلم فليس بمؤمن، ولا ولي لله تعالى، كالأحبار والرهبان من علماء
اليهود والنصارى وعبادهم. وكذلك المنتسبين إلى العلم والعبادة من المشركين،
مشركي العرب والترك والهند، وغيرهم ممن كان من حكماء الهند والترك، وله
علم أو زهد وعبادة في دينه، وليس مؤمنا بجميع ما جاء به محمد، فهو كافر عدو
لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله، كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارا
مجوسا، وكذلك حكماء اليونان، مثل أرسطو وأمثاله، كانوا مشركين يعبدون
الأصنام والكواكب وكان أرسطو قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة سنة، وكان
وزيرا للاسكندر بن فيلبس المقدوني، وهو الذي تؤرخ له تواريخ الروم
واليونان، وتؤرخ به اليهود والنصارى. وليس هذا هو ذا القرنين الذي ذكره
الله في كتابه، كما يظن بعض الناس أن أرسطوا كان وزيرا لذي القرنين لما
رأوا أن ذاك اسمه الاسكندر، وهذا قد يسمى بالاسكندر، ظنوا أن هذا ذاك، كما
يظنه ابن سينا وطائفة معه.
وليس الأمر كذلك، بل هذا الاسكندر
المشرك - الذي قد كان أرسطو وزيره -متأخر عن ذاك، ولم يبن هذا السد، ولا
وصل إلى بلاد يأجوج ومأجوج، وهذا الاسكندر الذي كان أرسطو من وزرائه، يؤرخ
له تاريخ الروم المعروف.
وفي أصناف المشركين، من مشركي العرب،
ومشركي العرب، ومشركي الهند، واليونان، وغيرهم، من له اجتهاد في العلم
والزهد والعبادة، ولكن ليس بمتبع للرسل، ولا مؤمن بما جاؤوا به، ولا يصدقهم
فيما أخبروا به، ولا يطيعهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء
الله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض
الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الكهان والسحرة الذي
تنزل عليهم الشيطان، قال تعالى: " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل
على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ".وهؤلاء جميعهم الذين
ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات إذا لم يكونوا متبعين للرسل، فلا بد
أن يكذبوا وتكذيبهم شياطينهم، ولا بد أن يكون في أعمالهم ماهو إثم وفجور،
مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة.
ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت
بهم، فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن، قال تعالى: " ومن يعش
عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث
به رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القرآن، فمن لم يؤمن بالقرآن، ويصدق
خبره، ويعتقد وجوب أمره، فقد أعرض عنه، فيقيض له الشيطان فيقترن به.
قال تعالى: " وهذا ذكر مبارك أنزلناه "
وقال تعالى: " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
* قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها
وكذلك اليوم تنسى "، فدل ذلك على أن ذكره هو آياته التي أنزلها، ولهذا لو
ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائما ليلا ونهارا مع غاية الزهد، وعبده
مجتهدا في عبادته، ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله - وهو القرآن - كان من
أولياء الشيطان، ولو طار في الهواء أو مشى على الماء، فإن الشيطان يحمله في
الهواء، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
خصال المنافقين أربع من أمر الجاهلية
ومن الناس من يكون
فيه إيمان، وفيه شعبة من نفاق، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أربع من كن فيه
كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى
يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر ".
وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الايمان بضع وستون، أو
بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن
الطريق، والحياء شعبة من الايمان " فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من
كان فيه خصلة من هذه الخصال ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها.
و"قد ثبت في الصحيحين أنه قال لأبي ذر وهو من خيار المؤمنين: إنك امرؤ فيك جاهلية ،فقال: يا رسول الله! أعلى كبر سني؟ قال..نعم) ".
وثبت في الصحيح عنه أنه قال: " أربع في
أمتي من أمر الجاهلية: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة على
الميت، والاستسقاء بالنجوم ".
وفي الصحيحين "عن أبي هريرة رضي الله
عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب،
وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ".
وفي صحيح مسلم : " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ".
خوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق
وذكر البخاري عن
ابن أبي مليكة أنه قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
كلهم يخاف النفاق على نفسه. وقد قال الله تعالى: " وما أصابكم يوم التقى
الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا
قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر
يومئذ أقرب منهم للإيمان "، فقد جعل هؤلاء إلى الكفر، أقرب منهم للإيمان،
فعلم أنهم مخلطون، وكفرهم أقوى، وغيرهم يكون مخلطا وإيمانه أقوى.
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون
المتقون، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كن أكمل
إيمانا وتقوى ، كان أكمل ولاية لله، فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل،
بحسب تفاضلهم في الايمان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله، بحسب
تفاضلهم في الكفر والنفاق، قال الله تعالى: " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من
يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون *
وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون "
وقال تعالى: " إنما النسيء زيادة في الكفر " وقال تعالى: " والذين اهتدوا
زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ، وقال تعالى في المنافقين " في قلوبهم مرض
فزادهم الله مرضا " ، فبين سبحانه وتعالى : أن الشخص الواحد ، قد يكون فيه
قسط من ولاية الله ، بحسب إيمانه ، وقد يكون فيه قسط من عداوة الله ، بحسب
كفره ونفاقه .
وقال تعالى : " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " ، وقال تعالى : " ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " .
أولياء الله طبقتان:سابقون مقربون، وأصحاب يمين
فصل وأولياء الله
على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون وذكرهم الله في عدة مواضع
من كتابه العزيز، في أول سورة( الواقعة) وآخرها، وفي سورة(الانسان) و (
المطففين)، وفي سورة( فاطر)، فإنه سبحانه وتعالى ذكر في (الواقعة) القيامة
الكبرى في أولها، وذكر القيامة الصغرى في آخرها، فقال في أولها: " إذا
وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا *
وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا * وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة
ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون
* أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين
".
فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة
الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين، كما وصف الله سبحانه ذلك في
كتابه في غير موضع، ثم قال تعالى في آخر السورة: " فلولا " أي فهلا " إذا
بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون *
فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين * فأما إن كان من
المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام
لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم *
وتصلية جحيم * إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم ".
وقال تعالى في سورة الإنسان: " إنا
هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا
وسعيرا * إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد
الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا *
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا
نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم
الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا "
الآيات.
وكذلك ذكر في سورة المطففين فقال: " كلا
إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ
للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين * وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا
تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا
يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم
يقال هذا الذي كنتم به تكذبون * كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك
ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على
الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم *
ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها
المقربون ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من
السلف، قالوا: يمزج لأصحاب اليمين مزجا، ويشرب بها المقربون صرفا، وهو كما
قالوا: فإنه تعالى قال: " يشرب بها "، ولم يقل يشرب منها، لأنه ضمن قوله:
يشرب معنى يروى، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى، فإذا قيل: يشربون منها، لم
يدل على الري، فإذا قيل: يشربون بها، كان المعنى يروون بها، فالمقربون،
يروون بها فلا يحتاجون معها إلى ما دونها، فلهذا يشربون منها صرفا، بخلاف
أصحاب اليمين فإنها مزجت لهم مزجا، وهو كما قال تعالى في سورة الانسان: "
كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ".
الجزاء من جنس العمل
فعباد الله هم
المقربون المذكورون في تلك السورة، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير
والشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب
الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله
عليه في الدنيا والأخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله
في عون العبد ما كان العبد في، عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل
الله به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب
الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم
الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ". رواه
مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن،
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " قال الترمذي: حديث صحيح.
وفي الحديث الآخر الصحيح الذي في السنن
يقول الله تعالى: " أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن
وصلها وصلته، ومن قطعها بتته "، وقال: " ومن وصلها وصله الله، ومن قطعها
قطعه الله "، ومثل هذا كثير.
وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون،
وأصحاب يمين، كما تقدم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عمل القسمين في
حديث الأولياء فقال: يقول الله تعالى:" من عادى لي وليا فقد بارزني
بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولايزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ".
فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون
إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا
يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات.
وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه
بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات،
والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع مايقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب
حبا تاما، كما قال تعالى: " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه "،
يعني الحب المطلق كقوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " أي أنعم عليهم الانعام المطلق
التام المذكور في قوله تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
".
فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم
طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا
صرفا، كما عملوا له صرفا. والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم،
فلا يعاقبون عليه، ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفا، بل مزج لهم من شراب
المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا.
هل للولي طريق لا يحتاج فيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم
ومن ادعى أن من
الأولياء بالذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، من له طريق إلى
الله لا يحتاج فيه إلى محمد، فهذا كافر ملحد، وإذا قال:أنا محتاج إلى محمد
في علم الظاهر، دون علم الباطن، أو في علم الشريعة، دون علم الحقيقة، فهو
شر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدا رسول إلى الأميين دون أهل
الكتاب، فإن أولئك آمنوا ببعض، وكفروا ببعض، فكانوا كفار بذلك.
هل يكون لله ولي من النصارى واليهود؟
الحمدلله نستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله. أرسله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. أرسله بين يدي الساعة بشيرا
ونذيرا،وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة، وبصر به
من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا،
وفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، والمؤمنين
والكفار، والسعداء أهل الجنة، والأشقياء أهل النار، وبين أولياء الله
وأعداء الله. فمن شهد له محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أولياء الله فهو
من أولياء الرحمن، ومن شهد له بأنه من أعداء الله فهو من أعداء الله
وأولياء الشياطين.
لله أولياء وللشيطان أولياء
وقد بين سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله أن لله أولياء من الناس،
وللشيطان أولياء، ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. فقال تعالى:"
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم " وقال تعالى: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ". وقال تعالى: "
هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ".
وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " وقال تعالى: " الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا
". وقال تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ". وقال تعالى: " ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ". وقال تعالى: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين " وقال تعالى
: " إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون * وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا " إلى قوله " إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " وقال تعالى :" وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم " ، وقال الخليل عليه السلام : " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا " ، وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " الآيات إلى قوله " إنك أنت العزيز الحكيم "
فصل في صفات أولياء الله
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان،
فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما
فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى:
" ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا
يتقون ".
الإيمان والتقوى
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
الحب في الله والبغض في الله
وفي حديث آخر: " و
إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب " أي: آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما
يأخذ الليث الحرب ثأره، وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه،
فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا
بما يأمر، ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع،
كما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أوثق عرى
الإيمان: الحب في الله والبغض في الله " وفي حديث آخر رواه أبو داود وقال: "
من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ".
موالاة الطاعات
والولاية: ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة:
البغض والبعد. وقد
قيل أن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات، أي متابعته لها، والأول أصح.
والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا، أي يقرب منه. ومنه قوله صلى الله عليه
وسلم: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر " أي لأقرب
رجل إلى الميت. ووكده بلفظ الذكر ليبين أنه حكم يختص بالذكور، ولا يشترك
فيه الذكور والإناث، كما قال في الزكاة: " فابن لبون ذكر ".
فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع
له فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي
لوليه معاديا له، كما قال تعالى: " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة " فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه،
فلهذا قال: " ومن عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ".
أفضل أولياء الله
وأفضل أولياء الله
هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم:
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: " شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى
وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " وقال تعالى: " وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم
ميثاقا غليظا * ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما ".
أفضل أولي العزم
وأفضل أولي العزم:
محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وسيد ولد آدم، وإمام
الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه
به الأولون والآخرون، وصاحب لواء الحمد، وصاحب الحوض المورود، وشفيع
الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة والفضيلة، الذي بعثه الله بأفضل كتبه،
وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، وجمع له ولأمته
من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم، وهم آخر الأمم خلقا، وأول الأمم
بعثا، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " نحن الآخرون
السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم،
فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه - يعني يوم الجمعة - فهدانا الله له: الناس
لنا تبع فيه، غدا لليهود، وبعد للنصارى ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا أول من
تنشق عنه الأرض ". وقال صلىالله عليه وسلم: " آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول
الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد. فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ".
وفضائله صلى الله عليه وسلم وفضائل أمته
كثيرة، ومن حين بعثه الله جعله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه: فلا يكون
وليا لله إلا من آمن به وبما جاء به، واتبعه باطنا وظاهرا، ومن ادعى محبة
الله وولايته وهو لم يتبعه، فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء
الله وأولياء الشيطان. قال تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله " قال الحسن البصري رحمه الله : ادعى قوم أنهم يحبون الله،
فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها، أن من اتبع الرسول فإن
الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس
من أولياء الله: وأن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم، أو في غيرهم، أنهم
من أولياء الله، ولا يكونون من أولياء الله، فاليهود والنصارى يدعون أنهم
أولياء لله(وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان منهم، بل يدعون أنهم أبناؤه )
وأحباؤه. قال تعالى: " قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق " الآية،
وقال تعالى: " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم
"، إلى قوله: " ولا هم يحزنون "
ادعاء مشركي العرب أنهم أهل الله
وكان مشركو العرب
يدعون أنهم أهل الله، لسكناهم مكة، ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون به
على غيرهم، كما قال تعالى: " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم
تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون " وقال تعالى: " وإذ يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك " إلى قوله: " وهم يصدون عن المسجد الحرام وما
كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " فبين سبحانه أن المشركين ليسوا
أولياءه ولا أولياء بيته، إنما أولياؤه المتقون.
حديث: وليي الله وصالح المؤمنين
وثبت في الصحيحين
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول جهارا من غير سر: " إن آل فلان ليسوا لي بأولياء - يعني طائفة من
أقاربه - إنما وليي الله وصالح المؤمنين " وهذا موافق لقوله تعالى: " فإن
الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " الآية. وصالح المؤمنين: هو من كان
صالحا من المؤمنين. وهم المؤمنون المتقون أولياء الله. ودخل في ذلك أبو
بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت
الشجرة،وكانوا ألفا وأربعمائة، وكلهم في الجنة، كما ثبت في الصحيح عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت
الشجرة " ومثل هذا الحديث الآخر: إن أوليائي المتقون أيا كانوا وحيث كانوا.
لا طريق غير طريق الإسلام
كما أن من الكفار
من يدعي أنه ولي الله، وليس وليا لله، بل عدو له. فكذلك من المنافقين الذين
يظهرون الاسلام، يقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله، وأنه مرسل إلى جميع الأنس، بل إلى الثقلين: الأنس والجن،
ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك، مثل أن لا يقروا في الباطن بأنه رسول
الله، وإنما كان ملكا مطاعا، ساس الناس برأيه، من جنس غيره من الملوك، أو
يقولون: إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب، كما يقوله كثير من
اليهود والنصارى، أو أنه مرسل إلى عامة الخلق، وأن لله أولياء خاصة، لم
يرسل إليهم، ولا يحتاجون إليه، بل لهم طريق إلى الله من غير جهته، كما كان
الخضر مع موسى، أو أنهم يأخذون عن الله كل مايحتاجون إليه وينتفعون به من
غير واسطة، أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها. وأما
الحقائق الباطنة فلم يرسل بها، أولم يكن يعرفها، أو هم أعرف بها منه، أو
يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته.
حال أهل الصفة
وقد يقول بعض
هؤلاء: إن أهل الصفة كانوا مستغنين عنه، ولم يرسل إليهم، ومنهم من يقول: إن
الله أوحى إلى أهل الصفة في الباطن ما أوحى إليه ليلة المعراج، فصار أهل
الصفة بمنزلته، وهؤلاء من فرط جهلهم، لا يعلمون أن الإسراء كان بمكة، كما
قال تعالى: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله " وأن الصفة لم تكن إلا بالمدينة، وكانت صفة في
شمالي مسجده صلى الله عليه وسلم ينزل بها الغرباء الذين ليس لهم أهل وأصحاب
ينزلون عندهم، فإن المؤمنين كانوا يهاجرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة، فمن أمكنه أن ينزل في مكان نزل به، ومن تعذر ذلك عليه نزل في
المسجد، إلى أن يتيسر له مكان ينتقل إليه.
ولم يكن أهل الصفة ناسا بأعيانهم
يلازمون الصفة، بل كانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى، ويقيم الرجل بها زمانا،
ثم ينتقل منها، والذين ينزلون بها من جنس سائر المسلمين، ليس لهم مزية في
علم ولا دين، بل فيهم من ارتد عن الاسلام وقتله النبي صلى الله عليه وسلم،
كالعرنيين الذين اجتووا المدينة، أي: استوخموها، فأمرهم النبي صلى الله
عليه وسلم بلقاح - أي إبل لها لبن - وأمرهم أن يشربوا من أبوالها
وألبانها، فلما صحوا، قتلوا الراعي، واستاقوا الذود، فأرسل النبي صلى الله
عليه وسلم في طلبهم، فأتى بهم، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم،
وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون.
وحديثهم في الصحيحين من حديث أنس ،
وفيه أنهم نزلوا الصفة، فكان ينزلها مثل هؤلاء، ونزلها من خيار المسلمين
سعد بن أبي وقاص، وهو أفضل من نزل بالصفة، ثم انتقل عنها، ونزلها أبو هريرة
وغيره، وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي تاريخ من نزل الصفة.
وأما الأنصار فلم يكونوا من أهل الصفة،
وكذلك أكابر المهاجرين- كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير،
وعبد الرحمن ابن عوف، وأبي عبيدة (بن الجراح) وغيرهم - لم يكونوا من أهل
الصفة.
كذب كل حديث يروى عن النبي في عدة الأولياء
وقد روي أنه كان بها غلام للمغيرة بن
شعبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا واحد من السبعة وهذا الحديث
كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحلية وكذا كل حديث
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة الأولياء، والأبدال، والنقباء،
والنجباء، والأوتاد، والأقطاب، مثل أربعة، أو سبعة، أو اثني عشر، أو
أربعين، أو سبعين، أو ثلاثمائة، أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد،
فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينطق السلف بشيء من
هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال.
وروي فيهم حديث أنهم أربعون رجلا، وأنهم
بالشام، وهو في المسند من حديث علي كرم الله وجهه، وهو حديث منقطع ليس
بثابت، ومعلوم أن عليا ومن معه من الصحابة، كانوا أفضل من معاوية ومن معه
بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي.
وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من
المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " وهؤلاء المارقون هم الخوارج
الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي،فقتلهم
علي ابن أبي طالب وأصحابه، فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي ابن أبي طالب
أولى بالحق من معاوية وأصحابه، وكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون
أعلاهما.
وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنشد منشد:
قد لسعت حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيتي وترياقي
وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد
حتى سقطت البردة عن منكبه، فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وأكذب منه
مايرويه بعضهم أنه مزق ثوبه، وأن جبريل أخذ قطعة منه، فعلقها على العرش،
فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه من أظهر الأحاديث كذبا عليه.
وكذلك ما يروونه عن عمر رضي الله عنه
أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان، وكنت بينهما
كالزنجي، وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
هل يكون لله ولي من النصارى واليهود
والمقصود هنا، أن فيمن يقر برسالته
العامة في الظاهر ومن يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك، فيكون منافقا، وهو
يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به رسول
الله صلى الله عليه وسلم، إما عنادا، أو جهلا، كما أن كثيرا من النصارى
واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله. وأن محمدا رسول الله. لكن يقولون: إنما
أرسل إلى غير أهل الكتاب، وإنه لا يجب علينا اتباعه، لأنه أرسل إلينا رسلا
قبله، فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله،
وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: " ألا إن أولياء
الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون ".
ما لابد منه في الإيمان
ولابد في الايمان
من أن يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.ويؤمن بكل رسول
أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله، كما قال تعالى: " قولوا آمنا بالله وما
أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي
موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون
* فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق
فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ".
الأركان الخمسة
وقال تعالى:" آمن
الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير *
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا
إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من
قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت
مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ".
محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين
وقال في أول
السورة: " الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم
المفلحون " فلا بد في الايمان من أن تؤمن أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم
النبيين، لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين: الجن والانس.
الإيمان بجملة ما جاء
فكل من لم يؤمن بما
جاء به فليس بمؤمن، فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتقين. ومن آمن ببعض
ماجاء به وكفر ببعض، فهو كافر ليس بمؤمن، كما قال الله تعالى: " إن الذين
يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض
ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا
وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين
أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ".
الإيمان بوساطته في التبليغ
ومن الايمان به:
الايمان بأنه هو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده
ووعيده، وحلاله وحرامه، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله
ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فمن اعتقد أن
لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم
فهو كافر من أولياء الشيطان.
وأما خلق الله تعالى للخلق، ورزقه
إياهم، وإجابتهم لدعائهم، وهدايته لقلوبهم، ونصرهم على أعدائهم، وغير ذلك
من جلب المنافع ودفع المضار، فهذا لله وحده، يفعله بما يشاء من الأسباب، لا
يدخل في مثل هذا وساطة الرسل.
أولياء من جنس الكهان والسحرة
ثم لو بلغ الرجل في
الزهد والعبادة والعلم ما بلغ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد صلى الله
عليه وسلم فليس بمؤمن، ولا ولي لله تعالى، كالأحبار والرهبان من علماء
اليهود والنصارى وعبادهم. وكذلك المنتسبين إلى العلم والعبادة من المشركين،
مشركي العرب والترك والهند، وغيرهم ممن كان من حكماء الهند والترك، وله
علم أو زهد وعبادة في دينه، وليس مؤمنا بجميع ما جاء به محمد، فهو كافر عدو
لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله، كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارا
مجوسا، وكذلك حكماء اليونان، مثل أرسطو وأمثاله، كانوا مشركين يعبدون
الأصنام والكواكب وكان أرسطو قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة سنة، وكان
وزيرا للاسكندر بن فيلبس المقدوني، وهو الذي تؤرخ له تواريخ الروم
واليونان، وتؤرخ به اليهود والنصارى. وليس هذا هو ذا القرنين الذي ذكره
الله في كتابه، كما يظن بعض الناس أن أرسطوا كان وزيرا لذي القرنين لما
رأوا أن ذاك اسمه الاسكندر، وهذا قد يسمى بالاسكندر، ظنوا أن هذا ذاك، كما
يظنه ابن سينا وطائفة معه.
وليس الأمر كذلك، بل هذا الاسكندر
المشرك - الذي قد كان أرسطو وزيره -متأخر عن ذاك، ولم يبن هذا السد، ولا
وصل إلى بلاد يأجوج ومأجوج، وهذا الاسكندر الذي كان أرسطو من وزرائه، يؤرخ
له تاريخ الروم المعروف.
وفي أصناف المشركين، من مشركي العرب،
ومشركي العرب، ومشركي الهند، واليونان، وغيرهم، من له اجتهاد في العلم
والزهد والعبادة، ولكن ليس بمتبع للرسل، ولا مؤمن بما جاؤوا به، ولا يصدقهم
فيما أخبروا به، ولا يطيعهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء
الله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض
الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الكهان والسحرة الذي
تنزل عليهم الشيطان، قال تعالى: " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل
على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ".وهؤلاء جميعهم الذين
ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات إذا لم يكونوا متبعين للرسل، فلا بد
أن يكذبوا وتكذيبهم شياطينهم، ولا بد أن يكون في أعمالهم ماهو إثم وفجور،
مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة.
ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت
بهم، فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن، قال تعالى: " ومن يعش
عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث
به رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القرآن، فمن لم يؤمن بالقرآن، ويصدق
خبره، ويعتقد وجوب أمره، فقد أعرض عنه، فيقيض له الشيطان فيقترن به.
قال تعالى: " وهذا ذكر مبارك أنزلناه "
وقال تعالى: " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
* قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها
وكذلك اليوم تنسى "، فدل ذلك على أن ذكره هو آياته التي أنزلها، ولهذا لو
ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائما ليلا ونهارا مع غاية الزهد، وعبده
مجتهدا في عبادته، ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله - وهو القرآن - كان من
أولياء الشيطان، ولو طار في الهواء أو مشى على الماء، فإن الشيطان يحمله في
الهواء، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
خصال المنافقين أربع من أمر الجاهلية
ومن الناس من يكون
فيه إيمان، وفيه شعبة من نفاق، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أربع من كن فيه
كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى
يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر ".
وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الايمان بضع وستون، أو
بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن
الطريق، والحياء شعبة من الايمان " فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من
كان فيه خصلة من هذه الخصال ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها.
و"قد ثبت في الصحيحين أنه قال لأبي ذر وهو من خيار المؤمنين: إنك امرؤ فيك جاهلية ،فقال: يا رسول الله! أعلى كبر سني؟ قال..نعم) ".
وثبت في الصحيح عنه أنه قال: " أربع في
أمتي من أمر الجاهلية: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة على
الميت، والاستسقاء بالنجوم ".
وفي الصحيحين "عن أبي هريرة رضي الله
عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب،
وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ".
وفي صحيح مسلم : " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ".
خوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق
وذكر البخاري عن
ابن أبي مليكة أنه قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
كلهم يخاف النفاق على نفسه. وقد قال الله تعالى: " وما أصابكم يوم التقى
الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا
قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر
يومئذ أقرب منهم للإيمان "، فقد جعل هؤلاء إلى الكفر، أقرب منهم للإيمان،
فعلم أنهم مخلطون، وكفرهم أقوى، وغيرهم يكون مخلطا وإيمانه أقوى.
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون
المتقون، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كن أكمل
إيمانا وتقوى ، كان أكمل ولاية لله، فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل،
بحسب تفاضلهم في الايمان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله، بحسب
تفاضلهم في الكفر والنفاق، قال الله تعالى: " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من
يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون *
وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون "
وقال تعالى: " إنما النسيء زيادة في الكفر " وقال تعالى: " والذين اهتدوا
زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ، وقال تعالى في المنافقين " في قلوبهم مرض
فزادهم الله مرضا " ، فبين سبحانه وتعالى : أن الشخص الواحد ، قد يكون فيه
قسط من ولاية الله ، بحسب إيمانه ، وقد يكون فيه قسط من عداوة الله ، بحسب
كفره ونفاقه .
وقال تعالى : " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " ، وقال تعالى : " ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " .
أولياء الله طبقتان:سابقون مقربون، وأصحاب يمين
فصل وأولياء الله
على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون وذكرهم الله في عدة مواضع
من كتابه العزيز، في أول سورة( الواقعة) وآخرها، وفي سورة(الانسان) و (
المطففين)، وفي سورة( فاطر)، فإنه سبحانه وتعالى ذكر في (الواقعة) القيامة
الكبرى في أولها، وذكر القيامة الصغرى في آخرها، فقال في أولها: " إذا
وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا *
وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا * وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة
ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون
* أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين
".
فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة
الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين، كما وصف الله سبحانه ذلك في
كتابه في غير موضع، ثم قال تعالى في آخر السورة: " فلولا " أي فهلا " إذا
بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون *
فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين * فأما إن كان من
المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام
لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم *
وتصلية جحيم * إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم ".
وقال تعالى في سورة الإنسان: " إنا
هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا
وسعيرا * إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد
الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا *
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا
نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم
الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا "
الآيات.
وكذلك ذكر في سورة المطففين فقال: " كلا
إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ
للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين * وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا
تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا
يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم
يقال هذا الذي كنتم به تكذبون * كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك
ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على
الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم *
ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها
المقربون ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من
السلف، قالوا: يمزج لأصحاب اليمين مزجا، ويشرب بها المقربون صرفا، وهو كما
قالوا: فإنه تعالى قال: " يشرب بها "، ولم يقل يشرب منها، لأنه ضمن قوله:
يشرب معنى يروى، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى، فإذا قيل: يشربون منها، لم
يدل على الري، فإذا قيل: يشربون بها، كان المعنى يروون بها، فالمقربون،
يروون بها فلا يحتاجون معها إلى ما دونها، فلهذا يشربون منها صرفا، بخلاف
أصحاب اليمين فإنها مزجت لهم مزجا، وهو كما قال تعالى في سورة الانسان: "
كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ".
الجزاء من جنس العمل
فعباد الله هم
المقربون المذكورون في تلك السورة، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير
والشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب
الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله
عليه في الدنيا والأخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله
في عون العبد ما كان العبد في، عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل
الله به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب
الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم
الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ". رواه
مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن،
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " قال الترمذي: حديث صحيح.
وفي الحديث الآخر الصحيح الذي في السنن
يقول الله تعالى: " أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن
وصلها وصلته، ومن قطعها بتته "، وقال: " ومن وصلها وصله الله، ومن قطعها
قطعه الله "، ومثل هذا كثير.
وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون،
وأصحاب يمين، كما تقدم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عمل القسمين في
حديث الأولياء فقال: يقول الله تعالى:" من عادى لي وليا فقد بارزني
بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولايزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ".
فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون
إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا
يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات.
وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه
بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات،
والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع مايقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب
حبا تاما، كما قال تعالى: " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه "،
يعني الحب المطلق كقوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " أي أنعم عليهم الانعام المطلق
التام المذكور في قوله تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
".
فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم
طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا
صرفا، كما عملوا له صرفا. والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم،
فلا يعاقبون عليه، ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفا، بل مزج لهم من شراب
المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا.
هل للولي طريق لا يحتاج فيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم
ومن ادعى أن من
الأولياء بالذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، من له طريق إلى
الله لا يحتاج فيه إلى محمد، فهذا كافر ملحد، وإذا قال:أنا محتاج إلى محمد
في علم الظاهر، دون علم الباطن، أو في علم الشريعة، دون علم الحقيقة، فهو
شر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدا رسول إلى الأميين دون أهل
الكتاب، فإن أولئك آمنوا ببعض، وكفروا ببعض، فكانوا كفار بذلك.