الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته
الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته
للبيوت أسرارُها وللعلامات الزوجية سماتُها ، وقي حياة كل زوجين أفراحٌ وأحزان ، فيوماً تطيب العشرة بين الزوجين فيصبحان وكأنهما أسعدَ زوجين ، ويوماً يحدث في البيت ما يعكِّر صفوَه فتتباعد القلوب وتستوحش النفوس ويضيق البيت على سعته بساكنيه .. فهل هناك بيت يخلوا من المشاكل والمنغصات بين الزوجين ؟ ومَنْ الزوجُ القادرُ على حُسن إدارة البيت ويُجيد قيادة الأسرة ...
وحتى نتمكن من حُسن إدارة الحياة الأسرية ، دعونا نرحل إلى منزل زوجٍ مثالي وواقعي في آنٍ واحدٍ ، كان قدوةً عظيمةً في بيته ، إنه زوج وأبٌ وأخٌ ومربي ومصلح ، لم يكن أغنى الناس بل كان أفقرهم ومع ذلك أدار البيت بنجاح ، لم يكن بيته من أشرف البيوت فلا أدوار وطوابق ولا فخامة ولا أثاث بل كان غرفة واحدة هي مجلس الضيافة وهي غرفة النوم وفيها المأكل والمشرب والصلاة والعبادة وحل المشكلات ، بل بلغ من تواضع هذه الغرفة أنه إذا رفع يده إلى سقفها بلَغَها بكل سهولة ويسر ، لم يكن عند زوجته خدم ولا حاشية ومع ذلك عاش هو وأزواجه حياة هانئة مطمئنة فيها الرضا والقناعة والسكينة ..
أعرفتم مَنْ هو هذا الرجل ؟
إنه محمد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه " وإنك لعلى خلق عظيم " وقال عنه " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه " .
كان صلى الله عليه وسلم إذا
خلا بنسائه كان ألين الناس وأكرمَ الناس ضحاكاً بساماً وكان من أنكت الناس
أي من أَمْزَحِهم إذا خلا بأهله ...
وكان يقول " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " ويقول " ألا واستوصوا بالنساء خيرا " رواه الترمذي ويقول " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً وخياركُم خيارُكم لنسائهم " رواه الترمذي . ولما جاء مجموعةٌ من نساء الصحابة يشكون من عشرة أزواجهن والقسوة عليهم قال صلى الله عليه وسلم " لقد أطاف بآلِ محمد نساء كثير يشكون أزواجهم ليس أولئك بخياركم " ...
وكانت القاعدة في الحياة الزوجية والأسرية هي قولُ الله تبارك وتعالى " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا "
وقال صلى الله عليه وسلم " لا يَفْرَك ( لا ينقص ) مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر " رواه مسلم .
أيها الإخوة ... كيف يكون المسلم زوجاً صالحاً في بيته :
أولاً : إذا دخل بيته سلَّم على أهله وأقبل عليهم بوجه طلق " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحيةً من عند الله مباركة طيبة " ...
والسلام أمانٌ وبركةٌ على أهل البيت .. قال صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه " يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن بركةً وعلى أهل بيتك " رواه الترمذي ... والزوج المسلم يُقبل على أهله بالبشر والسرور يمدُ يد العون لزوجته يُشعرها أنها تعيش في ظل زوجٍ قويٍ كريم يحبها ويرعاها ويهتم بشؤونها ويوفر لها حاجاتها المشروعة ويُرضي أنوثتها بالتجمل لها وبالزينة ويعطيها جانباً من وقته واهتماماته ... وهذا خلاف ما يصنعه بعض الأزواج ، فإذا دخل إلى بيته دخل بوجه عبوس لا سلام ولا كلام بل هموم وأحزان ، يحملُ همومَ العملِ والأصحاب ويضعه بين يد زوجته وأبنائه ... إن صمت صمتوا ، وإن ضحك ضحكوا ، وإن كشَّرت أنيابُه كشروا ، يضحك بثقل ويبتسِّم وهو يتصَّنع ... وما هذه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ...
كان صلى الله عليه وسلم يحمل هموم أمة يبعث الجيوش والسرايا ويحكم بين الناس ويواسي الفقير والمحتاج ويعود المريض ويتبع الجنازة ومع ذلك إذا دخل بيته دخل مبتسماً يلقي تحية الإسلام ويضع السواك في فمه ليستاك ليدخل بأحسن ريح وأجمل عبارة ... ولم يكن يترك السلام حتى لو كان أهلهُ في نوم ، فكان إذا دخل البيت بادر بالسلام وإذا سلَّم ليلاً خَافَتَ به حتى تسمعه زوجته إن كانت يقظة ولا تستيقظ إن كانت نائمة ، كما جاء في حديث المقداد : قال : " فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يُوقظ نائماً ويُسمعُ اليقظان " رواه مسلم .
ثانياً : كان
صلى الله عليه وسلم واقعياً في نظرته للحياة ، لم يكن متكلفاً ولا مثالياً
أو كمالياً في تقييمه لسلوك الآخرين ، فهو يعامل الناس بما آتاهم الله
تبارك وتعالى من خلق ولا يكلفهم مالا يطيقون ... ومثال ذلك : لو أنَّ أحَدنا اكتشف أن زوجته تشك في بعض تصرفاته وحركاته وربما ترصدت على أقواله وأفعاله، ماذا سيصنع الزوج في زوجته ؟ أتوقع أن لسان حال الكثيرين هو العصبية والشتم والضرب والتجريح ، وربما ذهب بها إلى بيت أهلها وقال إن ابنتكم ترميني بالتُّهم وووو.. ولكن انظروا معي وتأملوا ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ...
قالت : ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنِّي ؟ قالت : لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي ، انقلب فوضع رداءَه وخَلَعَ نعله فوضعهما عند رِجلَيْه وبسط طرفَ إزاره على فراشه فاضطجع ، فلم يلبث إلا ريثما ظن أنْ قد رقدتُ فأخذ رداءَه رُويداً وانتقل رُويداً وفتح الباب فخرج ثم أَجَافَهُ رويداً ( أي أغلقه ) ، فجعلتُ درعي في رأسي واختمرت وتقنَّعتُ إزاري ثم انتقلتُ على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يده ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفتُ ، فأسرع فأسرعتُ ، فهرول فهرولتُ ، فأحضرَ فحضرت ، ( أي أسرعتُ أشدُّ من الهرولة ) فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعتُ فدخل فقال : مَالَكِ يا عائش حَشْياً رابية ( أي مالك ونفسك مرتفع ) من أثر الهرولة وأنت نائمة قالت : لا شيء قال : لتُخبريني أو ليخبّرَني اللطُيف الخبير ، قالت : قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال : فأنت السَّواد الذي رأيتُ أمامي قلت : نعم فَلَهَدَني في صدري لهدةً أوجعتني ، ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسولهُ ؟ قالت : مهما يكتم الناس يعلمْه الله ...
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا بل بيَّن لها السبب الذي دعاه فقال : إن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاهُ منك ، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابَكِ وظننتُ أنْ قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظكِ وخشيت أن تستوحشي فقال : إن ربَّك يأمُركَ أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم " رواه مسلم .
يا له من نبي كريم يتعامل بكل واقعية ، يعرف النفوس وطبائعها ، وتلك القصة كانت من علامات موته صلى الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة ، إذ كان يذهب للبقيع يستغفر للأموات وكأنه إشارة لدنو أجله صلى الله عليه وسلم ، ولم يغضب من زوجته غضباً يقودُه إلى الكراهية والبغضاء إنما تعامل مع غيرة عائشة رضي الله عنها بكل حلم وأدب ولم يكتف بذلك بل علَّل هذا الذي قام به أن الله أمره أن يقوم من فراشه في هذه الساعة ويذهب إلى مقبرة البقيع ليستغفر للشهداء وللأموات ... إن عائشة رضي الله عنها في هم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في همٍ آخر .
كان
صلى الله عليه وسلم يتعامل مع طباع الزوجات دون مبالغة أو تهويل بل مع ما
يناسب الموقف ، فكان لا يجد غضاضة أن تُراجعه إحدى زوجاته في أمرٍ أو ربما
تهجره شهراً لتطالبه بالنفقة إذا لم يكن عنده ما يعطيهن ...
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو والد إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ( حفصة بنت عمر ) .. يحدثنا عما علمه وسمعه وشاهَدهُ فيقول : كنَّا معشَر قريش نغلب النساء ( أي في مكة قبل الهجرة ) فلما قدمنا على الأنصار إذا قومٌ تَغْلبُهُم نساؤهم فطفق نساؤُنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فَصَخِبْتُ على امرأتي فَرَاجَعَتْني فأنكرتُ أن تراجعَني قالت : ولم تنكر أن أراجعك ؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإنَّ إحداهن لتهجُره اليومَ حتى الليل يقول عمر : فأفزعني ذلك وقلت لها : قد خاب مَنْ فَعل ذلك منهنَّ ثم جمعتُ عليَّ ثيابي فنزلتُ فدخلتُ على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ لها : أي حفصة أتغاضبْ إحداكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى الليل ؟ قالت : نعم . قلتُ : قد خبتِ وخسرتِ أفتأمنين أن يغضبَ الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فَتَهْلَكي " رواه البخاري .
إذا
كان أمهات المؤمنين يراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويَغضبن
ويَهْجُرنَه حتى الليل ومع ذلك يصبر عليه الصلاة والسلام ويتعامل مع
المواقف بكل حلم وأدب فما بال بعض الأزواج اليوم لا يتحملون من أزواجهن لا
صغيرةً ولا كبيرةً .
جاءني أحد الأزواج يقول : طلقت زوجتي لأنها أغضبتني في أمرٍ قد طلبتهُ منها ، فقلت له : وما الأمر الكبير الذي أغضبتك فيه حتى طلقتها ؟ قال : طلبتُ منها أن تذهب لزيارة أهلي فأبت وقالت : ليس لي رغبة ، وأنا ( الزوج ) لم أتعوَّد أن يُرفض لي طلب . فقلت له : وهل تعامل زوجتك على أنها موظفة في بيتك أو سكرتيرة تأمر فتطاع أم كزوجة ؟ قال : بل كزوجة . قلت : إذن فيجب أن تعاملها بالحسنى وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع عن شيء إلا شانه فالحياة الزوجية أخذ وعطاء وحلمٌ وصبر وليس فيها سيفٌ بتَّار ولا غالب ولا مغلوب أو انتصار وهزيمة .. وهكذا عاش النبي صلى الله عليه وسلم حياته الزوجية ..كم هي المواقف وكم هي الأخطاء ولكن النفوس تحتاج إلى رويَّة ، والأخلاق الصعبة تحتاج إلى الحلم ..
ثالثاً : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً مع أهله في المزاح والمداعبة والملاطفة لم يكن فظاً غليظاً جافاً في تعامله ... تقول عائشة رضي الله عنها : كنت إذا هويتُ شيئاً تابعني ، كنت أتعرَّق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعتُه وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشربُ منه " رواه أبو داود وصَّح عنه
وكان يلاطفها ويقول : يا حميراء ، لأنها كانت بيضاء مُشربة بحمرة رضي الله عنها وتقول : وكان يتكئ على حجري ويقرأ القرآن " رواه البخاري . وهذه منه دليلٌ على جواز قراءة القرآن الكريم بهذه الصورة ، وكان يقرأ القرآن ماشياً ومستلقياً .
فأين
مَنْ يتأففون من أزواجهن إذا جاءت إحداهن الحيض يهجرونهن في المضاجع ولا
يخالطوهن ولا يأكلون معهن حتى يطهرن وهذه من عادات الجاهلية بل من عادات
اليهود ...
أيها الإخوة ... ما ذكرته هو طَرَفٌ يسير من حياته صلى الله عليه وسلم في بيته فهل من مقتدٍ بأخلاقه وبسلوكه وتعامله قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر " .
الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته
للبيوت أسرارُها وللعلامات الزوجية سماتُها ، وقي حياة كل زوجين أفراحٌ وأحزان ، فيوماً تطيب العشرة بين الزوجين فيصبحان وكأنهما أسعدَ زوجين ، ويوماً يحدث في البيت ما يعكِّر صفوَه فتتباعد القلوب وتستوحش النفوس ويضيق البيت على سعته بساكنيه .. فهل هناك بيت يخلوا من المشاكل والمنغصات بين الزوجين ؟ ومَنْ الزوجُ القادرُ على حُسن إدارة البيت ويُجيد قيادة الأسرة ...
وحتى نتمكن من حُسن إدارة الحياة الأسرية ، دعونا نرحل إلى منزل زوجٍ مثالي وواقعي في آنٍ واحدٍ ، كان قدوةً عظيمةً في بيته ، إنه زوج وأبٌ وأخٌ ومربي ومصلح ، لم يكن أغنى الناس بل كان أفقرهم ومع ذلك أدار البيت بنجاح ، لم يكن بيته من أشرف البيوت فلا أدوار وطوابق ولا فخامة ولا أثاث بل كان غرفة واحدة هي مجلس الضيافة وهي غرفة النوم وفيها المأكل والمشرب والصلاة والعبادة وحل المشكلات ، بل بلغ من تواضع هذه الغرفة أنه إذا رفع يده إلى سقفها بلَغَها بكل سهولة ويسر ، لم يكن عند زوجته خدم ولا حاشية ومع ذلك عاش هو وأزواجه حياة هانئة مطمئنة فيها الرضا والقناعة والسكينة ..
أعرفتم مَنْ هو هذا الرجل ؟
إنه محمد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه " وإنك لعلى خلق عظيم " وقال عنه " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه " .
كان صلى الله عليه وسلم إذا
خلا بنسائه كان ألين الناس وأكرمَ الناس ضحاكاً بساماً وكان من أنكت الناس
أي من أَمْزَحِهم إذا خلا بأهله ...
وكان يقول " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " ويقول " ألا واستوصوا بالنساء خيرا " رواه الترمذي ويقول " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً وخياركُم خيارُكم لنسائهم " رواه الترمذي . ولما جاء مجموعةٌ من نساء الصحابة يشكون من عشرة أزواجهن والقسوة عليهم قال صلى الله عليه وسلم " لقد أطاف بآلِ محمد نساء كثير يشكون أزواجهم ليس أولئك بخياركم " ...
وكانت القاعدة في الحياة الزوجية والأسرية هي قولُ الله تبارك وتعالى " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا "
وقال صلى الله عليه وسلم " لا يَفْرَك ( لا ينقص ) مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر " رواه مسلم .
أيها الإخوة ... كيف يكون المسلم زوجاً صالحاً في بيته :
أولاً : إذا دخل بيته سلَّم على أهله وأقبل عليهم بوجه طلق " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحيةً من عند الله مباركة طيبة " ...
والسلام أمانٌ وبركةٌ على أهل البيت .. قال صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه " يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن بركةً وعلى أهل بيتك " رواه الترمذي ... والزوج المسلم يُقبل على أهله بالبشر والسرور يمدُ يد العون لزوجته يُشعرها أنها تعيش في ظل زوجٍ قويٍ كريم يحبها ويرعاها ويهتم بشؤونها ويوفر لها حاجاتها المشروعة ويُرضي أنوثتها بالتجمل لها وبالزينة ويعطيها جانباً من وقته واهتماماته ... وهذا خلاف ما يصنعه بعض الأزواج ، فإذا دخل إلى بيته دخل بوجه عبوس لا سلام ولا كلام بل هموم وأحزان ، يحملُ همومَ العملِ والأصحاب ويضعه بين يد زوجته وأبنائه ... إن صمت صمتوا ، وإن ضحك ضحكوا ، وإن كشَّرت أنيابُه كشروا ، يضحك بثقل ويبتسِّم وهو يتصَّنع ... وما هذه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ...
كان صلى الله عليه وسلم يحمل هموم أمة يبعث الجيوش والسرايا ويحكم بين الناس ويواسي الفقير والمحتاج ويعود المريض ويتبع الجنازة ومع ذلك إذا دخل بيته دخل مبتسماً يلقي تحية الإسلام ويضع السواك في فمه ليستاك ليدخل بأحسن ريح وأجمل عبارة ... ولم يكن يترك السلام حتى لو كان أهلهُ في نوم ، فكان إذا دخل البيت بادر بالسلام وإذا سلَّم ليلاً خَافَتَ به حتى تسمعه زوجته إن كانت يقظة ولا تستيقظ إن كانت نائمة ، كما جاء في حديث المقداد : قال : " فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يُوقظ نائماً ويُسمعُ اليقظان " رواه مسلم .
ثانياً : كان
صلى الله عليه وسلم واقعياً في نظرته للحياة ، لم يكن متكلفاً ولا مثالياً
أو كمالياً في تقييمه لسلوك الآخرين ، فهو يعامل الناس بما آتاهم الله
تبارك وتعالى من خلق ولا يكلفهم مالا يطيقون ... ومثال ذلك : لو أنَّ أحَدنا اكتشف أن زوجته تشك في بعض تصرفاته وحركاته وربما ترصدت على أقواله وأفعاله، ماذا سيصنع الزوج في زوجته ؟ أتوقع أن لسان حال الكثيرين هو العصبية والشتم والضرب والتجريح ، وربما ذهب بها إلى بيت أهلها وقال إن ابنتكم ترميني بالتُّهم وووو.. ولكن انظروا معي وتأملوا ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ...
قالت : ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنِّي ؟ قالت : لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي ، انقلب فوضع رداءَه وخَلَعَ نعله فوضعهما عند رِجلَيْه وبسط طرفَ إزاره على فراشه فاضطجع ، فلم يلبث إلا ريثما ظن أنْ قد رقدتُ فأخذ رداءَه رُويداً وانتقل رُويداً وفتح الباب فخرج ثم أَجَافَهُ رويداً ( أي أغلقه ) ، فجعلتُ درعي في رأسي واختمرت وتقنَّعتُ إزاري ثم انتقلتُ على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يده ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفتُ ، فأسرع فأسرعتُ ، فهرول فهرولتُ ، فأحضرَ فحضرت ، ( أي أسرعتُ أشدُّ من الهرولة ) فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعتُ فدخل فقال : مَالَكِ يا عائش حَشْياً رابية ( أي مالك ونفسك مرتفع ) من أثر الهرولة وأنت نائمة قالت : لا شيء قال : لتُخبريني أو ليخبّرَني اللطُيف الخبير ، قالت : قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال : فأنت السَّواد الذي رأيتُ أمامي قلت : نعم فَلَهَدَني في صدري لهدةً أوجعتني ، ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسولهُ ؟ قالت : مهما يكتم الناس يعلمْه الله ...
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا بل بيَّن لها السبب الذي دعاه فقال : إن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاهُ منك ، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابَكِ وظننتُ أنْ قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظكِ وخشيت أن تستوحشي فقال : إن ربَّك يأمُركَ أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم " رواه مسلم .
يا له من نبي كريم يتعامل بكل واقعية ، يعرف النفوس وطبائعها ، وتلك القصة كانت من علامات موته صلى الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة ، إذ كان يذهب للبقيع يستغفر للأموات وكأنه إشارة لدنو أجله صلى الله عليه وسلم ، ولم يغضب من زوجته غضباً يقودُه إلى الكراهية والبغضاء إنما تعامل مع غيرة عائشة رضي الله عنها بكل حلم وأدب ولم يكتف بذلك بل علَّل هذا الذي قام به أن الله أمره أن يقوم من فراشه في هذه الساعة ويذهب إلى مقبرة البقيع ليستغفر للشهداء وللأموات ... إن عائشة رضي الله عنها في هم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في همٍ آخر .
كان
صلى الله عليه وسلم يتعامل مع طباع الزوجات دون مبالغة أو تهويل بل مع ما
يناسب الموقف ، فكان لا يجد غضاضة أن تُراجعه إحدى زوجاته في أمرٍ أو ربما
تهجره شهراً لتطالبه بالنفقة إذا لم يكن عنده ما يعطيهن ...
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو والد إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ( حفصة بنت عمر ) .. يحدثنا عما علمه وسمعه وشاهَدهُ فيقول : كنَّا معشَر قريش نغلب النساء ( أي في مكة قبل الهجرة ) فلما قدمنا على الأنصار إذا قومٌ تَغْلبُهُم نساؤهم فطفق نساؤُنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فَصَخِبْتُ على امرأتي فَرَاجَعَتْني فأنكرتُ أن تراجعَني قالت : ولم تنكر أن أراجعك ؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإنَّ إحداهن لتهجُره اليومَ حتى الليل يقول عمر : فأفزعني ذلك وقلت لها : قد خاب مَنْ فَعل ذلك منهنَّ ثم جمعتُ عليَّ ثيابي فنزلتُ فدخلتُ على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ لها : أي حفصة أتغاضبْ إحداكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى الليل ؟ قالت : نعم . قلتُ : قد خبتِ وخسرتِ أفتأمنين أن يغضبَ الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فَتَهْلَكي " رواه البخاري .
إذا
كان أمهات المؤمنين يراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويَغضبن
ويَهْجُرنَه حتى الليل ومع ذلك يصبر عليه الصلاة والسلام ويتعامل مع
المواقف بكل حلم وأدب فما بال بعض الأزواج اليوم لا يتحملون من أزواجهن لا
صغيرةً ولا كبيرةً .
جاءني أحد الأزواج يقول : طلقت زوجتي لأنها أغضبتني في أمرٍ قد طلبتهُ منها ، فقلت له : وما الأمر الكبير الذي أغضبتك فيه حتى طلقتها ؟ قال : طلبتُ منها أن تذهب لزيارة أهلي فأبت وقالت : ليس لي رغبة ، وأنا ( الزوج ) لم أتعوَّد أن يُرفض لي طلب . فقلت له : وهل تعامل زوجتك على أنها موظفة في بيتك أو سكرتيرة تأمر فتطاع أم كزوجة ؟ قال : بل كزوجة . قلت : إذن فيجب أن تعاملها بالحسنى وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع عن شيء إلا شانه فالحياة الزوجية أخذ وعطاء وحلمٌ وصبر وليس فيها سيفٌ بتَّار ولا غالب ولا مغلوب أو انتصار وهزيمة .. وهكذا عاش النبي صلى الله عليه وسلم حياته الزوجية ..كم هي المواقف وكم هي الأخطاء ولكن النفوس تحتاج إلى رويَّة ، والأخلاق الصعبة تحتاج إلى الحلم ..
ثالثاً : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً مع أهله في المزاح والمداعبة والملاطفة لم يكن فظاً غليظاً جافاً في تعامله ... تقول عائشة رضي الله عنها : كنت إذا هويتُ شيئاً تابعني ، كنت أتعرَّق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعتُه وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشربُ منه " رواه أبو داود وصَّح عنه
وكان يلاطفها ويقول : يا حميراء ، لأنها كانت بيضاء مُشربة بحمرة رضي الله عنها وتقول : وكان يتكئ على حجري ويقرأ القرآن " رواه البخاري . وهذه منه دليلٌ على جواز قراءة القرآن الكريم بهذه الصورة ، وكان يقرأ القرآن ماشياً ومستلقياً .
فأين
مَنْ يتأففون من أزواجهن إذا جاءت إحداهن الحيض يهجرونهن في المضاجع ولا
يخالطوهن ولا يأكلون معهن حتى يطهرن وهذه من عادات الجاهلية بل من عادات
اليهود ...
أيها الإخوة ... ما ذكرته هو طَرَفٌ يسير من حياته صلى الله عليه وسلم في بيته فهل من مقتدٍ بأخلاقه وبسلوكه وتعامله قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر " .
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا إتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم ..