آية في كتاب الله نزلت لتبين للناسِ الفرحَ الذي يجب أن يفرحوه
آية في كتاب الله نزلت لتبين للناسِ الفرحَ الذي يجب أن يفرحوه
آية في كتاب الله جل جلاله نزلت لتبين للناسِ الفرحَ الذي يجب أن يفرحوه والسعادة التي يجب أن ينالوها ... آيةٌ في كتاب الله .. نزلت لتقول للناس .. ليس الفرحُ بجمع الحطام ولا بامتلاك الأموال ، ليس فرحاً حقيقياً ذلك الذي يظنه الناس أنه ذاك الذي فاقهم مالاً أو جاهاً أو مكانةً ... آيةٌ في كتاب الله تعالى .. نزلت لتعيدَ للنفس توازنَها ولتوقظها من غفلتها ولتكشف لها الأسبابَ الحقيقية للسعادةِ والفرحِ الذي يحبُّه الله تبارك وتعالى ...
إنها في قول الله تعالى في سورة يونس "
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة
للمؤمنين قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون "
إن الآية تقولُ للناس .. أيها الناس .. قد جاءكم كتابٌ جامعٌ لكل ما تحتاجون إليه من موعظةٍ حسنةٍ لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم وحكمةٍ بالغةٍ لإصلاح خفايا نفوسكم وشفاءِ أمراضِها الباطنة وهدايةٍ واضحةٍ للصراط المستقيم الموصلِ إلى سعادة الدنيا والآخرة ..... " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " .. قل بفضل الله : أي بالقرآن وبرحمته أي بالإسلام فليفرحوا .. هذا هو الفرحُ الحقيقي للمؤمن ... كيف كنتم في الجاهلية من الجهل والظلم والبغي والكفر بالله ؟ كيف كنتم في أخلاقكم وأفعالكم الذميمة ؟ ... ولما جاءتكم هداية الله من السماء .. كيف انقلبتم وتحولتم ... كنتم تعبدون الأصنام فأصبحتم تعبدون إلهاً واحداً ورباً واحداً ؟ .. كنتم تستغيثون وتقولون ارزقنا يا صنم .. أطعمنا يا صنم .. اشفنا يا صنم .. فلما جاء الإسلام غدوتم تقولون : ارزقنا يا صمد .. أطعمنا يا صمد .. اشفنا يا صمد .. كنتم تظلمون وتبغون وتسفكون الدماء ويأكل بعضكم أموال بعض فلما جاء الوحي من الله تعالى صرتم تخافون على أنفسكم من المال الحرام واللقمة الحرام ؟ ... كنتم تقتلون أولادكم وتدفنون بناتِكم وهُنَّ أحياء فلما جاء الوحي من السماء صار صلاح الولد والبنت طريقاً لكم إلى الجنة فخفتم عليهم من النار وعذاب النار ...
نعم ... " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " ...
إن الفرح بفضل الله وبرحمته أفضلُ وأنفع للناس مما يجمعون من الذهب والفضة والأنعام والحرث وسائر متاع الحياةِ الدنيا .. فلا يحزن مَنْ فَقَدَ هذه المُتع إن بقي له فَرَحُهُ بفضل الله ورحمته من القرآن والإسلام ، لأن الدنيا يجمعها المسلم والكافر والبرُّ والفاجر وهي للمؤمن نعمة وهي للكافر نقمة ...
نظر كسرى إلى ملكِه يوماً فأعجبه فقال : هذا مُلْك إلا أنه هُلْك ، ونعيم إلا أنه عديم ، وغَنَاء لولا أنه عناء ، وسرور لولا أنه شرور ، ويومٌ لو كان يوثق بِغد !!
أيها الإخوة ... كل فرحٍ في الدنيا سيزول لا محالة ، وإنَّ هناك محطاتٍ من عمر الإنسان المؤمن سيشعر فيها بالفرح الحقيقي لأنه سيتعلق بمصيره في الدار الآخرة ... أربعُ مراحلَ من عمر الإنسان هي بشاراتٌ وأفراح ...
عُمْره في الدنيا، وعمره في البرزخ ، وعمره في المحشر ، وعمره في دار القرار ..
أما عمر الدنيا فالمؤمن يحقُّ له أن يفرح بنعمة القرآن والإسلام لأنه ينعم بالحياة المطمئنة بطاعة ربه وعبادته ،ينعم بالسكينة والاستقرار لأنه مع الله تعالى في كل ساعات يومه وليلته ... فإذا وضع جنبه لينام قال : " اللهم أسلمت نفسي إليك " وإذا ردَّ الله عليك روحَه وقام قال : " الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وأذن لي بذكره " ... فيقوم يتطهر ويسكب الماء على جوارحه لتعيد لها الحياة وتَنْشَط للصلاة ويبدأ يومه بالصلاة ليكون أسعدُ الناس وأقوى الناس وأعبدُ الناس ، وإذا أقبل الليل ختمه بالصلاة .. ليعلن أن بداية يومه وختامَه بالصلاة والعبادة ، وما بينهما هو رجلٌ يبحث عن رزقه وقوتِه وقوتِ أولاده وهو رجلٌ يدعو الناس إلى الخير يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهو رجلٌ سلم المسلمون من لسانه ويده فبات راضياً عن الله ومرضياً من الخَلْق ، ثم إن الله تعالى يختم لمثل هذا الصنف من الناس حياتهم على الإسلام ، لأنهم عاشوا مع الله فرحين بنعمةِ الله فكانت حياتهم مع القرآن في منهجه ومع سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه ... وهكذا تنتهي حياة المؤمن على أحسن حال .. من عاش على الطاعات مات عليها ومَنْ عاش على المعاصي مات عليها .. قال صلى الله عليه وسلم : إذا أحبَّ الله عبداً استعمله قالوا : وكيف يستعمله يا رسول الله قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت " رواه الترمذي وصححه الألباني .. كأن يقبضه صائماً أو مصلياً أو حاجاً أو معتمراً أو مُنْفقاً أو خارجاً في سبيله أو مجاهداً لأعدائه أو تالياً لكتابه أو مؤدياً عمله بإخلاص ، أو يختم له بما يحبُّه ربُّه ويختاره له .
إنها فرحة المؤمن في دنياه بطاعةِ ربه ومولاه .. حتى وإن اعترضته المصائبُ والمكدرات ، لأنها إما عقوباتٌ مكفِّرة أو حسناتٌ ورفعُ درجات ، وكلهَّا خيرٌ للمؤمن ... قال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يقضي اللهُ للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن " رواه مسلم ... هذه فرحة المؤمن في عمره الأول ونسأل الله تعالى أن نكون وإياكم منهم .
أما عن فرحة المؤمن في عمره الثاني فهو في عالم البرزخ ، وهو عمر مديد طويل قد يكون سنين وقد يكون قرون ودهور ، ولكن فرحةُ المؤمن فيه لا تعدلها فرحة فإن المؤمن إذا جاءت لحظات الاحتضار انتهى الأجل وبدأ يودع الدنيا ويستقبل الآخرة عند ذلك يرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه روائحُهم طيبة تحمل معها كفناً من حرير الجنة ويأتي مَلَكُ الموتِ عند رأسه ويقول : أُخرجي أيتها الروح الطيبة أُخرجي إلى رَوْح وريحان ورب غير غضبان فتخرج روحُه برفق ولطف كما تخرج قطرة الماء من فم القِربة فيأخذها مَلَكُ الموت ويُعطيها مَلَكَ الرحمة فيصعد بها إلى السمواتِ السبع ورائحةُ روحِه كأطيب ريحِ مسك على وجه الأرض فإذا جاءت السماءَ الدنيا قالت الملائكة : رُوْحُ مَنْ هذه الطيبة ؟ فيقولون : روحُ فلان بن فلان بأحب الأسماء التي كان يُسمَّى بها في الدنيا وتُفتح له السماء الأولى والثانيةِ والثالثةِ : إلى السابعة والملائكة تزفُّ روحَه إلى الرحمن وقد استوى على العرش فيسمعون الرحمن جل جلاله يقول : يا ملائكتي : اعلموا أني قد رضيت عن عبدي فأروه الجنةَ وأروه مكانه منها واجعلوه في عليين فتنزل الملائكة إلى جثمانه وهو محمول إلى قبره والروحُ تقول : عَجِّلوا به إلى خيرِ يومٍ منذ ولدته أمُّه حتى إذا ما وضع في اللَّحد وضمَّه القبر ضمَّةَ اليقظة فيستفيق ويجلس في عالمٍ ليس كعالم الدنيا فيأتيه رجلٌ حسنُ الوجه حسن الرِّيح حسن الصوت فيقول : أنا لا أفارقُك أبداً أنا عملُك الصالح .. فيأتيه ملكان يسألانه : مَنْ ربُّك ؟ وما دينُك ؟ وماذا تقول في الرجل الذي أرسل إليكم ؟ فيجيب إجابةً تامة عندها يُفتح له بابٌ إلى الجنة فيرى مقعده في الجنة وما أعدَّه الله له من النعم فيقول من شدة الفرح .. ربِّ أقم الساعة .. ربِّ أقم الساعة .. كيما أبشِّر أهلي .. فيُحال دون ذلك فتُرفع روحه إلى بارئها ويُقال له : نَمْ نومةِ العروس في خدرها فينام كما بين الظهر والعصر ..... هذه فرحة المؤمن في قبره .. حين يبشَّر بالفوز والرضوان ويبشر بجنة الرحمن .. وهذا هو عمره الثاني .. نسأل الله أن نكون وإياكم منهم ...
أما عمر المؤمن الثالث .. فإذا جاء البعث ونَفَخَ إسرافيلُ النفخةَ الثانية وقام الناس من قبورهم ينظرون وينتظرون الحساب خمسين ألف سنة في أرض المحشر والناس في عرقهم غارقون وعلى تفريطهم نادمون ومن عذاب ربهم مشفقون كان المؤمن تحت ظل عرش الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله ، فهو في نعيم وعافية لما فيه من الخلائق من العذاب والبكاء والندم ، وإذا تطايرت الصحف في أرض المحشر فمنهم شقي وسعيد ومنهم مَنْ يُؤتى كتابه بشماله ومنهم من يُؤتى كتابه بيمينه وكان المؤمن فرحاً مسروراً ويُنادي بأعلى صوته : هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه فهو في عيشهٍ راضيةٍ في جنةٍ عالية قطوفها دائنة ... وإذا جاءت لحظات الصراط .. الذي هو آخر عرصات يوم القيامة .. الصراط الذي لا طريق غيرُه يوصل إلى الجنة .. الصراطُ الذي هو أدقُّ من الشَّعر وأحدَّ من السيف .. " وإن منكم إلا واردُها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " ...
على الصراط .. يمرُّ المؤمن كالبرق الخاطف أو الرعد القاصف أو كالريح المُرسلة أو كأجاويد الخيل أو مهرولاً أو ماشياً ... فينجو من النار وقعرهها وظلمتها ، ينجو من سماع صوت أهلها ، ينجوا من الزبانية فيقول الحمد لله الذي نجَّاني منك ...
ثم يستقبل المؤمن فرحه الرابع وهو عمره المديد الذي لا نهاية له " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض " .
يدخل الجنة .. فيرجع إلى منزله الأول فينعم برضوان الله وأعظمُ نعيمٍ في الجنة هو رؤيةُ الخالق تبارك وتعالى ... قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربَّنا وسعديك والخير كلُّه في يديك فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطينا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " متفق عليه ..... نسأل الله من فضله العظيم ...
أيها الإخوة ... هذه أعظم لحظات فرح المؤمن وهي ثمرة من ثمرات فَرَحِه بالقرآن والإسلام يوم جاء إليه ... فآمن به وعاش عليه ومات عليه ... فنسأل الله أن يُسعد قلوبنا بطاعته وأن يرزقنا الجنة وار كرامته ...
آية في كتاب الله نزلت لتبين للناسِ الفرحَ الذي يجب أن يفرحوه
آية في كتاب الله جل جلاله نزلت لتبين للناسِ الفرحَ الذي يجب أن يفرحوه والسعادة التي يجب أن ينالوها ... آيةٌ في كتاب الله .. نزلت لتقول للناس .. ليس الفرحُ بجمع الحطام ولا بامتلاك الأموال ، ليس فرحاً حقيقياً ذلك الذي يظنه الناس أنه ذاك الذي فاقهم مالاً أو جاهاً أو مكانةً ... آيةٌ في كتاب الله تعالى .. نزلت لتعيدَ للنفس توازنَها ولتوقظها من غفلتها ولتكشف لها الأسبابَ الحقيقية للسعادةِ والفرحِ الذي يحبُّه الله تبارك وتعالى ...
إنها في قول الله تعالى في سورة يونس "
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة
للمؤمنين قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون "
إن الآية تقولُ للناس .. أيها الناس .. قد جاءكم كتابٌ جامعٌ لكل ما تحتاجون إليه من موعظةٍ حسنةٍ لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم وحكمةٍ بالغةٍ لإصلاح خفايا نفوسكم وشفاءِ أمراضِها الباطنة وهدايةٍ واضحةٍ للصراط المستقيم الموصلِ إلى سعادة الدنيا والآخرة ..... " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " .. قل بفضل الله : أي بالقرآن وبرحمته أي بالإسلام فليفرحوا .. هذا هو الفرحُ الحقيقي للمؤمن ... كيف كنتم في الجاهلية من الجهل والظلم والبغي والكفر بالله ؟ كيف كنتم في أخلاقكم وأفعالكم الذميمة ؟ ... ولما جاءتكم هداية الله من السماء .. كيف انقلبتم وتحولتم ... كنتم تعبدون الأصنام فأصبحتم تعبدون إلهاً واحداً ورباً واحداً ؟ .. كنتم تستغيثون وتقولون ارزقنا يا صنم .. أطعمنا يا صنم .. اشفنا يا صنم .. فلما جاء الإسلام غدوتم تقولون : ارزقنا يا صمد .. أطعمنا يا صمد .. اشفنا يا صمد .. كنتم تظلمون وتبغون وتسفكون الدماء ويأكل بعضكم أموال بعض فلما جاء الوحي من الله تعالى صرتم تخافون على أنفسكم من المال الحرام واللقمة الحرام ؟ ... كنتم تقتلون أولادكم وتدفنون بناتِكم وهُنَّ أحياء فلما جاء الوحي من السماء صار صلاح الولد والبنت طريقاً لكم إلى الجنة فخفتم عليهم من النار وعذاب النار ...
نعم ... " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " ...
إن الفرح بفضل الله وبرحمته أفضلُ وأنفع للناس مما يجمعون من الذهب والفضة والأنعام والحرث وسائر متاع الحياةِ الدنيا .. فلا يحزن مَنْ فَقَدَ هذه المُتع إن بقي له فَرَحُهُ بفضل الله ورحمته من القرآن والإسلام ، لأن الدنيا يجمعها المسلم والكافر والبرُّ والفاجر وهي للمؤمن نعمة وهي للكافر نقمة ...
نظر كسرى إلى ملكِه يوماً فأعجبه فقال : هذا مُلْك إلا أنه هُلْك ، ونعيم إلا أنه عديم ، وغَنَاء لولا أنه عناء ، وسرور لولا أنه شرور ، ويومٌ لو كان يوثق بِغد !!
أيها الإخوة ... كل فرحٍ في الدنيا سيزول لا محالة ، وإنَّ هناك محطاتٍ من عمر الإنسان المؤمن سيشعر فيها بالفرح الحقيقي لأنه سيتعلق بمصيره في الدار الآخرة ... أربعُ مراحلَ من عمر الإنسان هي بشاراتٌ وأفراح ...
عُمْره في الدنيا، وعمره في البرزخ ، وعمره في المحشر ، وعمره في دار القرار ..
أما عمر الدنيا فالمؤمن يحقُّ له أن يفرح بنعمة القرآن والإسلام لأنه ينعم بالحياة المطمئنة بطاعة ربه وعبادته ،ينعم بالسكينة والاستقرار لأنه مع الله تعالى في كل ساعات يومه وليلته ... فإذا وضع جنبه لينام قال : " اللهم أسلمت نفسي إليك " وإذا ردَّ الله عليك روحَه وقام قال : " الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وأذن لي بذكره " ... فيقوم يتطهر ويسكب الماء على جوارحه لتعيد لها الحياة وتَنْشَط للصلاة ويبدأ يومه بالصلاة ليكون أسعدُ الناس وأقوى الناس وأعبدُ الناس ، وإذا أقبل الليل ختمه بالصلاة .. ليعلن أن بداية يومه وختامَه بالصلاة والعبادة ، وما بينهما هو رجلٌ يبحث عن رزقه وقوتِه وقوتِ أولاده وهو رجلٌ يدعو الناس إلى الخير يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهو رجلٌ سلم المسلمون من لسانه ويده فبات راضياً عن الله ومرضياً من الخَلْق ، ثم إن الله تعالى يختم لمثل هذا الصنف من الناس حياتهم على الإسلام ، لأنهم عاشوا مع الله فرحين بنعمةِ الله فكانت حياتهم مع القرآن في منهجه ومع سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه ... وهكذا تنتهي حياة المؤمن على أحسن حال .. من عاش على الطاعات مات عليها ومَنْ عاش على المعاصي مات عليها .. قال صلى الله عليه وسلم : إذا أحبَّ الله عبداً استعمله قالوا : وكيف يستعمله يا رسول الله قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت " رواه الترمذي وصححه الألباني .. كأن يقبضه صائماً أو مصلياً أو حاجاً أو معتمراً أو مُنْفقاً أو خارجاً في سبيله أو مجاهداً لأعدائه أو تالياً لكتابه أو مؤدياً عمله بإخلاص ، أو يختم له بما يحبُّه ربُّه ويختاره له .
إنها فرحة المؤمن في دنياه بطاعةِ ربه ومولاه .. حتى وإن اعترضته المصائبُ والمكدرات ، لأنها إما عقوباتٌ مكفِّرة أو حسناتٌ ورفعُ درجات ، وكلهَّا خيرٌ للمؤمن ... قال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يقضي اللهُ للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن " رواه مسلم ... هذه فرحة المؤمن في عمره الأول ونسأل الله تعالى أن نكون وإياكم منهم .
أما عن فرحة المؤمن في عمره الثاني فهو في عالم البرزخ ، وهو عمر مديد طويل قد يكون سنين وقد يكون قرون ودهور ، ولكن فرحةُ المؤمن فيه لا تعدلها فرحة فإن المؤمن إذا جاءت لحظات الاحتضار انتهى الأجل وبدأ يودع الدنيا ويستقبل الآخرة عند ذلك يرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه روائحُهم طيبة تحمل معها كفناً من حرير الجنة ويأتي مَلَكُ الموتِ عند رأسه ويقول : أُخرجي أيتها الروح الطيبة أُخرجي إلى رَوْح وريحان ورب غير غضبان فتخرج روحُه برفق ولطف كما تخرج قطرة الماء من فم القِربة فيأخذها مَلَكُ الموت ويُعطيها مَلَكَ الرحمة فيصعد بها إلى السمواتِ السبع ورائحةُ روحِه كأطيب ريحِ مسك على وجه الأرض فإذا جاءت السماءَ الدنيا قالت الملائكة : رُوْحُ مَنْ هذه الطيبة ؟ فيقولون : روحُ فلان بن فلان بأحب الأسماء التي كان يُسمَّى بها في الدنيا وتُفتح له السماء الأولى والثانيةِ والثالثةِ : إلى السابعة والملائكة تزفُّ روحَه إلى الرحمن وقد استوى على العرش فيسمعون الرحمن جل جلاله يقول : يا ملائكتي : اعلموا أني قد رضيت عن عبدي فأروه الجنةَ وأروه مكانه منها واجعلوه في عليين فتنزل الملائكة إلى جثمانه وهو محمول إلى قبره والروحُ تقول : عَجِّلوا به إلى خيرِ يومٍ منذ ولدته أمُّه حتى إذا ما وضع في اللَّحد وضمَّه القبر ضمَّةَ اليقظة فيستفيق ويجلس في عالمٍ ليس كعالم الدنيا فيأتيه رجلٌ حسنُ الوجه حسن الرِّيح حسن الصوت فيقول : أنا لا أفارقُك أبداً أنا عملُك الصالح .. فيأتيه ملكان يسألانه : مَنْ ربُّك ؟ وما دينُك ؟ وماذا تقول في الرجل الذي أرسل إليكم ؟ فيجيب إجابةً تامة عندها يُفتح له بابٌ إلى الجنة فيرى مقعده في الجنة وما أعدَّه الله له من النعم فيقول من شدة الفرح .. ربِّ أقم الساعة .. ربِّ أقم الساعة .. كيما أبشِّر أهلي .. فيُحال دون ذلك فتُرفع روحه إلى بارئها ويُقال له : نَمْ نومةِ العروس في خدرها فينام كما بين الظهر والعصر ..... هذه فرحة المؤمن في قبره .. حين يبشَّر بالفوز والرضوان ويبشر بجنة الرحمن .. وهذا هو عمره الثاني .. نسأل الله أن نكون وإياكم منهم ...
أما عمر المؤمن الثالث .. فإذا جاء البعث ونَفَخَ إسرافيلُ النفخةَ الثانية وقام الناس من قبورهم ينظرون وينتظرون الحساب خمسين ألف سنة في أرض المحشر والناس في عرقهم غارقون وعلى تفريطهم نادمون ومن عذاب ربهم مشفقون كان المؤمن تحت ظل عرش الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله ، فهو في نعيم وعافية لما فيه من الخلائق من العذاب والبكاء والندم ، وإذا تطايرت الصحف في أرض المحشر فمنهم شقي وسعيد ومنهم مَنْ يُؤتى كتابه بشماله ومنهم من يُؤتى كتابه بيمينه وكان المؤمن فرحاً مسروراً ويُنادي بأعلى صوته : هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه فهو في عيشهٍ راضيةٍ في جنةٍ عالية قطوفها دائنة ... وإذا جاءت لحظات الصراط .. الذي هو آخر عرصات يوم القيامة .. الصراط الذي لا طريق غيرُه يوصل إلى الجنة .. الصراطُ الذي هو أدقُّ من الشَّعر وأحدَّ من السيف .. " وإن منكم إلا واردُها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " ...
على الصراط .. يمرُّ المؤمن كالبرق الخاطف أو الرعد القاصف أو كالريح المُرسلة أو كأجاويد الخيل أو مهرولاً أو ماشياً ... فينجو من النار وقعرهها وظلمتها ، ينجو من سماع صوت أهلها ، ينجوا من الزبانية فيقول الحمد لله الذي نجَّاني منك ...
ثم يستقبل المؤمن فرحه الرابع وهو عمره المديد الذي لا نهاية له " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض " .
يدخل الجنة .. فيرجع إلى منزله الأول فينعم برضوان الله وأعظمُ نعيمٍ في الجنة هو رؤيةُ الخالق تبارك وتعالى ... قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربَّنا وسعديك والخير كلُّه في يديك فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطينا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " متفق عليه ..... نسأل الله من فضله العظيم ...
أيها الإخوة ... هذه أعظم لحظات فرح المؤمن وهي ثمرة من ثمرات فَرَحِه بالقرآن والإسلام يوم جاء إليه ... فآمن به وعاش عليه ومات عليه ... فنسأل الله أن يُسعد قلوبنا بطاعته وأن يرزقنا الجنة وار كرامته ...